نحن في انتفاضة ثالثة
بقلم: عاموس جلبوع
تهل من المتوقع حصول انتفاضة جديدة في المناطق؟ هذا السؤال يعود ليطرح من جديد اكثر فاكثر في الخطاب العام، ويدعي النهج السائد ان الانتفاضة باتت تنتظرنا خلف الباب، كون الفلسطينيين يائسين ولا يوجد اي تقدم في المفاوضات، بل ان ثمة من يعتقدون بانه نضجت الظروف لـ’ربيع فلسطيني’. كقاعدة،’ يكاد يكون كل حدث عنيف في المناطق يعتبر مؤشرا يدل على عود الثقاب الذي سيليه الاشتعال الكبير. يحتمل أن هذا ما سيكون، ولكن رأيي مختلف.
بداية، بالنسبة لمفهوم الانتفاضة، كل اولئك الذين يشددون على أن بانتظارنا انتفاضة يبدو أنهم يرون امام ناظريهم الانتفاضة الاخيرة (2000 2004). الطابع المركزي كان العنف المسلح بلا ضوابط، وأولا وقبل كل شيء العمليات الانتحارية في ‘المناطق’ وفي قلب دولة اسرائيل. وكانت منفذتها هي المنظمات الفلسطينية، وعلى رأسها فتح وحماس.
واشرفت السلطة على هذه النشاطات، وشاركت قواتها المسلحة في العنف المسلح. بتعبير آخر، فان من يتوقع انتفاضة كهذه يشبه من يعتقد أن الحرب التالية ستكون مثل الحرب التي سبقتها. لقد سبق أن كانت الانتفاضة الاولى (1987 1993)، وقد كانت مختلفة في طابعها عن الانتفاضة الثانية: شعبية، غير منظمة، أقل عنفا بكثير، محصورة بـ’المناطق’ ولكن لكلتيهما كان ذات الاسم.
ومن يقول ان ‘الانتفاضة الثالثة’ لن تكون مختلفة في جوهرها عن ‘الانتفاضة الثانية’؟ هل لدى الفلسطينيين قدرة وارادة لتكرار ‘الانتفاضة الثانية’ مع كل الخراب والدمار الذي جلبته على المجتمع الفلسطيني واقتصاده؟ رأيي أننا نوجد منذ زمن ما في ‘الانتفاضة الثالثة’ في الضفة، وهذه الانتفاضة يسميها الفلسطينيون ‘المقاومة الشعبية’.
ما هي مميزاتها؟ قبل كل شيء هي ليست مسلحة، بمعنى أنها لا تستخدم وسائل قتالية ‘ساخنة’ من النار، القنابل واطلاق الصواريخ والمقذوفات الصاروخية، بل تستخدم وسائل تعتبر ‘سلاحا باردا’: رشق حجارة وزجاجات حارقة، طعنات سكين، دهس، بما في ذلك استخدام الجرافات. كل هذه الاعمال يعرفها ابو مازن ورجال السلطة كـ’اعمال سلمية’.
اما عمليا بالطبع فيدور الحديث عن أعمال عنف، تلحق قتلى وجرحى ايضا، كما أنها لا تنفذ الا في مناطق الضفة. الميزة الاخيرة هي أن الاعمال تنفذ من قبل أفراد، او من مجموعات صغيرة من الشبان الذين لا ينتمون الى المنظمات الارهابية المعروفة.
ومثلما يسود عندنا مفهوم ‘ناشط السلام’، هكذا اليوم يوجد في الضفة ‘ناشطو المقاومة الشعبية’ التي بالنسبة للسلطة هي احد العناصر المركزية في الصراع ضد اسرائيل، الى جانب الكفاح السياسي، الاعلامي والقانوني. هذا هو البديل الذي يعرضه ابو مازن على الجمهور الفلسطيني مقابل مفهوم ‘المقاومة المسلحة’ لحماس، التي لا تجدي برأيه في هذه المرحلة من الكفاح.
‘المقاومة الشعبية’ تستهدف مضايقة اسرائيل، تشجيع الجمهور الاسرائيلي على المطالبة بـ’التنازلات’ وان يبدو الفلسطينيون في نظر الاسرة الدولية كمحبين للسلام لا يستخدمون الا ‘وسائل سلمية’ شرعية.
السلطة الفلسطينية هي التي تدعم ماليا ولوجستيا كل تلك المنظمات ‘للمقاومة الشعبية’، وهي التي تجند الهيئات الدولية المختلفة لدعم نشيط لاعمال ‘المقاومة الشعبية’.
وفوق كل شيء، فانها تخلق اجواء التحريض منفلت العقال في الشارع الفلسطيني ضد اسرائيل، في كل الوسائل التي تحت تصرفها. الى أين ستتجه ‘المقاومة الشعبية’، بقدر ما يتبين ان المفاوضات مع اسرائيل لن تعطي النتائج المرغوب فيها للسلطة: هل الى ‘المقاومة المسلحة’ التي في مركزها انتحاريون ونار حية في قلب دولة اسرائيل ايضا، مثلما في الانتفاضة الثانية؟ أم أنها ستتطور وتتعاظم لتصبح ‘مقاومة شعبية’ واسعة النطاق تضم الالاف؟ واذا كنت سأراهن، فاني أراهن على الامكانية الثانية.
المصدر:
معاريف
0 comments: