الهجوم على السفارة الإيرانية نقلة نوعية في المواجهة الأمنية في لبنان ابراهيم ناصرالدين
بعيدا عن كل المواقف السياسية التي صدرت وستصدر في لبنان والعالم مستنكرة الاعتداء الارهابي على السفارة الايرانية في بيروت، وبعيدا عن المواقف الديبلوماسية الايرانية المعتادة في تحميلها المسؤولية لاسرائيل كمستفيد اول من هذا الاعتداء، وبعيدا ايضا عن صحة تبني كتائب عبدالله عزام للهجوم من عدمه، فان ما حصل تحول نوعي في المواجهة المفتوحة على كافة الاحتمالات السيئة، ويمكن من الآن الحديث أن ما قبل هذا الهجوم هو غير ما بعده.
وتشير اوساط معنية بهذا الملف الى ان ثمة عاملين اساسيين يؤشران الى طبيعة خطورة المرحلة المقبلة، الاول هو دخول «العمليات الانتحارية» لاول مرة في سياق الصراع الدائر على الساحة اللبنانية، والثاني هو ان المملكة العربية السعودية تقع ضمن دائرة الشبهات، وهي «متهمة» حتى تثبت «براءتها»، وهذا المعطى شديد الحساسية والتعقيد ولذلك يدور الحديث عنه «بهمس» في الغرف المغلقة، لان ثبوت التورط السعودي في مقبل الايام، سيكون له الكثير من التداعيات غير المسبوقة، وربما لذلك تتمنى الدوائر الايرانية المعنية ان لا تكون للرياض صلة بالحادث. لكن وفي كل الاحوال فان هذا الاعتداء يدخل ضمن تصنيف العمليات الامنية العالية المستوى، في التنفيذ، والتخطيط، والاهم من هذه، وتلك، يعتبر القرار بالاعتداء مباشرة على السيادة الايرانية من «البوابة اللبنانية» نقطة تحول دراماتيكية في هذه المواجهة المفتوحة على كافة الاحتمالات.
وفي الدلالات التي يمكن استخلاصها من هذا الاعتداء، ان من خطط للتفجير لم يكن يريد فقط توجيه «رسالة» الى طهران من «البوابة اللبنانية»، لكنه اعتداء «عسكري» مباشر يهدف الى توجيه ضربة موجعة للايرانيين، فبحسب السيناريو المرسوم كان يفترض ان تتعرض السفارة في بئر حسن الى تدمير كامل لو نجح المهاجمون في تنفيذ المخطط، لذلك يمكن القول ان العملية فشلت ولم تحقق اهدافها العملانية بعد نجاح حرس السفارة في منع اقتحام سورها الخارجي، ولا يمكن الحديث هنا عن نجاح الجهة المهاجمة في احداث خرق امني، فتلك المنطقة مفتوحة وغير مغلقة، ومن خطط لهذا الاعتداء لم يكن معنيا بتنفيذ عملية استعراضية ولكنه كان يريد توجيه ضربة موجعة للطاقم الديبلوماسي الايراني في بيروت، وهذا الامر لم يحصل.
لكن لماذا اتخذ القرار برفع سقف المواجهة الآن؟ براي تلك الاوساط، لم تعد الجهات المتورطة في الازمة السورية تملك هامشا واسعا من الخيارات، وهي لم تعد قادرة على تغيير الوقائع او قلب المعادلات في المنطقة، وليس امامها الا خيار من اثنين، أما اعلان الهزيمة والرضوخ لشروط الطرف الآخر، واما استخدام الحرب «القذرة» لاثبات قدرتها على التخريب ونشر الفوضى لافهام الطرف الاخر انه غير قادر على تحقيق انتصار كامل في المعركة، وسيتم منعه من استثمار هذا الانتصار، واذا اراد الحصول على الاستقرار عليه نسج تفاهمات تاخذ في عين الاعتبار مصالح الاخرين في المنطقة. أي بمعنى آخر تحسين «شروط الهزيمة».
لكن من يعرف «العقلية»الايرانية تقول الاوساط يدرك جيدا أن المتورطين في الهجوم بنوا استنتاجاتهم على معطيات خاطئة، فهذا الهجوم الدموي لن تتعامل معه طهران على المستوى الديبلوماسي، ولن تدرجه ابدا في قائمة « الاوراق» التفاوضية على أي طاولة حوار مفترضة، فاجهزة الاستخبارات الايرانية تولت هذا الملف دون سواها، وقد بدأت بعد ساعات قليلة من التفجير بتوسيع دائرة التحقيقات لتشمل كافة الاحتمالات، لتنتقل بعدها الى تصغير الدوائر وحصرها لتحديد الجهات المتورطة. ولا يبدو ان هذا الامر سيكون عسيرا بفعل توفر كم هائل من الشرائط المصورة في محيط السفارة، وبفعل وجود تقاطعات مهمة من المعلومات مع اجهزة استخبارات اخرى منها الاجهزة الامنية اللبنانية، وخصوصا استخبارات الجيش.
وبغض النظر عن المدة التي ستاخذها هذه التحقيقات، فان من اتخذ القرار تقول الاوساط باستهداف مبنى السفارة الايرانية، يعرف جيدا انه اتخذ قرارا على مستوى كبير من الخطورة، وهو بذلك اعلن حربا مفتوحة على الجمهورية الاسلامية الايرانية، ومن اختار رفع مستوى المواجهة الامنية أخطأ في حساباته، فأعتداءات مماثلة لن تدفع الايرانيين الى التراجع عن استراتيجياتهم في المنطقة، وايران تملك قدرات استخباراتية عالية المستوى وقادرة على اكتشاف من خطط ومن نفذ ومن اتخذ القرار، وهذا يعني ان الرد آت لا محالة.
طبعا لا يمكن لأحد ان يتكهن بطبيعة الرد الايراني، ولا بنطاقه الجغرافي، ولكن ما هو مؤكد برأي تلك الاوساط، أن الرد الاولي سيكون على الساحة السورية، و ثمة «خطوط حمراء» على الجبهات السورية ستسقط، وستشهد المرحلة المقبلة تطورات دراماتيكية غير مسبوقة على اكثر من جبهة، وسترمي طهران بثقلها لحسم عسكري حقيقي في اكثر من موقع استراتيجي، لافهام الطرف الآخر ان ما كان «يسمى» بالحد من الخسائر، انتهى الآن، وعليه راهنا القبول مرغما بخسارة كاملة، بعد ان قطع بنفسه «جسور التفاهم».
وفي هذا السياق لا يمكن لأحد ان يحدد النطاق او الحيز الجغرافي الذي يمكن ان تدخل في اطاره الحرب الامنية المفتوحة، وما هو واضح حتى الآن تضيف الاوساط ان القوى المناهضة لمحور المقاومة قد اختارت الساحة اللبنانية لتكون مسرحا « للمواجهة الامنية» نتيجة عجزها عن فتح مواجهة عسكرية مباشرة مع حزب الله في لبنان، بفعل خوفها من خسارة مدوية لحلفائها. ولذلك لا تزال مصرة على خوض تلك «الحرب القذرة» بدماء اللبنانيين، وهذا يؤكد ان هذه العملية لن تكون الاخيرة في سياق استهداف «البيئة الحاضنة» لحزب الله وكل ما ينتمي الى محور المقاومة، وهذا يفسر رفع مستوى الجهوزية الامنية في اكثر من منطقة. لكن هل هناك اي ضمانة بان تقف التداعيات عند هذه الحدود؟ وهل يمكن لاي جهة ان تعطي ضمانات بعدم انزلاق الساحة اللبنانية الى ما هو اسوأ؟ الجواب طبعا كلا. خصوصا ان الحسم في القلمون قد بدأ، ولاحد يعرف رد الفعل المنتظر من قبل المجموعات المسلحة السورية التي قد تجد متنفسا لها بفتح جبهة جديدة عبر الحدود اللبنانية، وعندها لن يكون بمقدور حزب الله ان يقف «مكتوف الايدي».
وفي انتظار تبلور التداعيات الامنية، ثمة مسألتين تقول الاوساط يمكن لايران الاستفادة منهما ديبلوماسيا، المسألة الاولى تتعلق بانتقال «نموذج» العمليات الانتحارية الى لبنان، فهذا التطور الخطير يعني ببساطة ان خطر تلك المجموعات قد بدأ يتسرب فعليا الى خارج الحدود السورية، وهذا يعني ان هذا الخطر لن يكون بعيدا عن الدول القريبة والبعيدة عن «ساحة القتال» في سوريا، وهذا سيعزز وجهة النظر الايرانية - الروسية فيما خص تطورات الازمة السورية، ويمكن من خلال هذا التحول في المشهد على الساحة اللبنانية الانتقال الى مرحلة اكثر جدية للضغط على الغرب لتسريع التسوية السياسية لمنع تمدد خطر«الامارات» اسلامية خارج الحدود السورية.
أما المسألة الثانية فترتبط بجولة المفاوضات الجديدة مع الغرب في جنيف اليوم، فهذه العملية الارهابية سيكون لها انعكاسات ايجابية على المفاوض الايراني، والدول المتضررة من التقارب الايراني الغربي ستجد ان لهذه العملية ارتدادات في غير صالحها على الاطلاق، فايران امامها فرصة لتعزيز موقعها كدولة مستهدفة بالارهاب الذي يشكو منه الغرب، ومن الجهة نفسها، وهذا يعني ان ملف مكافحة المجموعات التكفيرية سينضم الى العديد من الملفات التي يمكن ان تستخدمه ايران «لاغراء» الدول الغربية بالتعاون لمواجهة هذا الخطر المشترك في المنطقة والعالم.
0 comments: