العمليات الإنتحارية في عام 2013: رؤية من الخارج
Fri, 01/17/2014
بقلم: يوتم روزنر، عيناب يوغاف ويورم شفايتسر
منذ بدأت العمليات الانتحارية في العصر الحديث في بداية الثمانينيات من القرن العشرين من منظمة حزب الله اللبنانية وحتى بداية الألفية الحالية، نفذت نحو 200 عملية انتحارية في أرجاء العالم.
القفزة الدراماتيكية في حجم إرهاب الانتحاريين العالمي بدأ في بداية الالفين، عندما منذئذ وحتى الان نفذت 3.500 عملية انتحارية. الصدى الذي حظيت به هجمة الـ 11 أيلول 2001 أدى الى ارتفاع كبير في دور منظمات الإرهاب المتماثلة مع القاعدة والجهاد العالمي في تخطيط وتنفيذ العمليات الانتحارية. منذ بداية الثمانينيات بلغ نصيب هذه المنظمات اكثر من 85 في’ المئة من عموم العمليات الانتحارية في ارجاء العالم وفي العام 2013 نحو 95 في المئة منها. ورغم النسبة المتدنية للعمليات الانتحارية مقابل أنماط العمل الاخرى التي تستخدمها منظمات الارهاب، فانها تحظى بعطف جماهيري أعلى بسبب كونها أكثر فتكا وذات تأثير معنوي أكبر.
في العام 2013 اضطر مواطنو 18 دولة في ارجاء العالم الى احتمال النتائج الفتاكة لارهاب الانتحاريين. ففي هذه السنة نفذ نحو 291 عملية انتحارية، ادت الى مقتل نحو 3.100 شخص. ويشير هذا المعطى الى ارتفاع بنحو 25 في المئة مقارنة بالفترة الموازية من العام الماضي (230).
يمكن الاشارة الى عدة مزايا بارزة: ارتفاع كبير في عدد العمليات في دول الشرق الاوسط وعلى رأسها العراق؛ عدد عال من العمليات الانتحارية في افغانستان والباكستان، اللتين تعانيان منذ نحو عقد من الزمان من مستوى عال من العمليات؛ استمرار العمليات الانتحارية في وسط افريقيا؛ ميل انخفاض في دور النساء في ارهاب الانتحاريين.
اضافة الى ذلك، يدل فحص العمليات الانتحارية في الساحات المختلفة الى أنه خلافا للادعاء الدارج القائل ان العمليات الانتحارية تنفذ في الغالب في الدول المحتلة، ولا سيما ضد قوة الاحتلال، فان 32 في المئة فقط من العمليات نفذت في دول يوجد على اراضيها جيش أجنبي.
معظم العمليات نفذ ضد محليين كجزء من معركة داخل هذه الدول، ولا سيما في الدول التي مدى شرعية النظام فيها متدنٍ.
ان انعدام الاستقرار السياسي في الشرق الاوسط، بسبب احداث الربيع العربي، ادى الى ارتفاع كبير في العمليات الانتحارية مثلما سيتضح في السياق.
في العام 2013 نفذ في الشرق الاوسط 148 عملية انتحارية، تشكل نحو 50 في المئة من اجمالي العمليات في العالم.
والميل الابرز في هذه المنطقة هذه السنة، هو الارتفاع في كمية العمليات التي سجلت في العراق. فهذه تشكل ثلث اجمالي العمليات الانتحارية في العالم، وتبلغ 98 عملية، ارتفاع بمعدل 280 في المئة مقارنة بالسنة السابقة (35). العراق، الذي بدأ يعاني من العمليات الانتحارية فقط بعد دخول القوات الغربية الى نطاقه في العام 2003، تكبد حتى الان نحو 1.500 عملية، معظمها كنتيجة للتوترات الدينية والعرقية. ونحو نصف العمليات الانتحارية في هذه الدولة كانت موجهة ضد السكان المدنيين (45 في المئة)، ولا سيما في المطاعم، الاسواق والمساجد، وكذا المس بالمحتشدين بالجنازات او خيام العزاء، اما الباقي فقد كانت موجهة ضد قوات الامن والشرطة (48 في المئة). يمكن الملاحظة بان جزءاً هاما من هجمات الانتحاريين، التي كانت موجهة ضد السكان المدنيين تم في المناطق التي يسودها سكان شيعة، اما العمليات التي نفذت ضد الاهداف العسكرية والحكومية فقد وقعت اساسا في المناطق ذات الاغلبية السُنية.
فضلا عن التوتر الديني والعرقي، يمكن الاشارة الى عوامل اخرى للتصعيد في عدد العمليات في العراق. الفراغ الاستخباري والعملياتي الذي خلفته القوات الامريكية وراءها اضعف قدرة الاستخبارات والاحباط لدى قوات الامن؛ التواجد المتزايد لمحافل الجهاد العالمي في المنطقة في ضوء الحرب الاهلية في سوريا زاد مخزون المتطوعين لتنفيذ العمليات الانتحارية في العراق؛ سلوك فاسد للحكم، الخاضع للاغلبية الشيعية، والتمييز الفظ بحق الاقلية السنية اثارت الكثير منهم ضده، ولهذا السبب امتنعوا عن مساعدة قوات الامن العراقية للعمل ضد منظمات الارهاب السنية. ونشدد هنا على أنه من خلف معظم العمليات الانتحارية تقف منظمة الدولة الاسلامية في العراق (داع) التي اعلنت هذه السنة عن توسيع اطار عملها من العراق نحو سوريا ايضا وغيرت بما يتناسب مع ذلك اسمها ليصبح دولة اسلامية في العراق والشام (داعش). وارتبط القتال الداخلي في العراق بشكل بارز بالحرب الاهلية في سوريا. في 2013 نفذ في سوريا نحو 27 عملية انتحارية، قتل فيها نحو 400 شخص، ومثلما في العراق المجاور، فالحرب الاهلية في هذه الدولة ايضا تتميز بتوتر طائفي عرقي وفي مركزه الشرخ السني الشيعي والصراع بين القوات العلمانية القومية والقوات الاسلامية الاجنبية. وساهم في احتدام المواجهة وقوف ايران وحزب الله اللبناني الى جانب نظام الاسد. والمسؤولون المركزيون عن ارهاب الانتحاريين هذه السنة في سوريا هم جبهة النصرة.
وداعش المقربة من القاعدة. وفي اواخر 2013 تسلل ارهاب الانتحاريين الى لبنان ايضا. هذه الدولة التي بدأ فيها ارهاب الانتحاريين الحديث وعلى مدى سنين تمتعت بغيابه، تعرضت في اثناء 2013′ لثلاث عمليات انتحارية، ابرزها في السفارة الايرانية. وحسب بيان المنفذين، تأتي هذه العمليات لردع حزب الله الذي بعث بمئات من نشطائه، بإذن من سيدته ايران للقتال في سوريا الى جانب الاسد.
ومثلما في سوريا ولبنان أدى عدم الاستقرار السلطوي في مصر الى تعاظم اعمال الارهاب في الدولة، ولا سيما بعد عزل الرئيس محمد مرسي من الحكم على ايدي الجيش.
وادى الامر الى تصعد نشاط منظمات الارهاب في مصر، ولا سيما في شبه جزيرة سيناء (حيث نفذت اربع عمليات انتحارية من اصل ست). وفي اليمن، الذي يعاني هو ايضا من عدم استقرار سلطوي مستمر، نفذت هذه السنة عشر عمليات انتحارية، انخفاض باكثر من النصف مقارنة بالعام الماضي. في ليبيا وفي تونس، حيث يسود الاضطراب السلطوي الخطير، نفذت عملية انتحارية واحدة فقط.
‘الى جانب التصعيد في الشرق الاوسط واصلت افغانستان والباكستان لتكونا، في 2013 ايضا من الدول الاكثر معاناة في العالم من العمليات الانتحارية. ففي هذا العام نفذ في افغانستان 65 عملية وفي الباكستان 35، مثل السنة السابقة. ويذكر في هذا السياق انه منذ بداية سنوات الالفين نفذ في افغانستان نحو 700 عملية انتحارية، وفي الباكستان نحو 450. ويتأثر العنف في الدولتين ضمن امور اخرى بالانسحاب المرتقب للقوات الغربية من افغانستان في 2014. وفي افغانستان غير طالبان مركز اهداف هجماته من الاهداف المدنية الى الاهداف العسكرية والشرطة المحلية (32 في المئة من العمليات)، والى محافل الحكم التي تعتبر في نظره من العملاء (27 في المئة). كما واصلت المنظمة مهاجمة القوات الاجنبية في الدولة (35 في المئة).
ولا تمتنع منظمات الارهاب في الباكستان عن المس بالسكان المدنيين (31 في المئة) الى جانب المس بالاهداف الامنية (34 في المئة) وحكومية (25 في المئة).
وحافظ مستوى ارهاب الانتحاريين في افريقيا على استقرار نسبي في السنة الماضية عندما نفذ في اثناء 2013 في دول القارة 34 عملية، واحدة اكثر من 2012.
المنظمة الارهابية البارزة في الصومال هي منظمة الشباب التي تعمل ضد مسؤولي الحكم وقوات الجيش الاجنبية المتواجدة في الدولة، ونفذت 14 عملية انتحارية. في مالي، التي دخلتها في السنة الاخيرة قوات فرنسية لمساعدة جيوش الاتحاد الافريقي، بهدف منع سيطرة الجهاد العالمي على الدولة نفذت هذه السنة 15 عملية انتحارية معظمها من منظمة حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا. في نيجيريا، حيث تسود منظمة بوكو حرام، نفذت ثلاث عمليات، انخفاض كبير عن عدد العمليات الانتحارية التي نفذت في هذه الدولة في العام الماضي (21).
وختاما، يمكن القول ان الارتفاع في عدد العمليات الانتحارية في العالم في 2013 نبع من عدم الاستقرار في دول الشرق الاوسط ولا سيما من التصعيد في الحروب الاهلية في العراق وفي سوريا، حيث تحولت الاخيرة من مواجهة محلية الى مواجهة اقليمية.
في ضوء عدم الاستقرار السياسي العالي في دول الشرق الاوسط، يبدو ان ارهاب الانتحاريين سيتواصل بل وسيتصاعد لكونه وسيلة ناجعة تحت تصرف الاطراف المتشددة. بالنسبة لاسرائيل يوجد في هذا التصعيد ولا سيما تصعيد ارهاب الانتحارييين مثابة تحذير لزيادة اليقظة الامنية خوفا من أن تحاول بعض الجهات المشاركة في النزاعات الدائرة على طول حدودها تصديرها الى اراضيها. بل ان الامر قد يشجع محافل المعارضة الفلسطينية على محاولة الاستخدام من جديد لنمط العمل الفتاك هذا ضد مواطني وجنود اسرائيل.
0 comments: