Wednesday, April 19, 2017

في عالم ترامب المابعد حداثي، الحقائق تتلاشى والكلمات تخلق واقعاً بديلاً

"هآرتس" (النسخة الإنكليزية)، 14/4/2017
في عالم ترامب المابعد حداثي، الحقائق تتلاشى والكلمات تخلق واقعاً بديلاً
نتيجة بحث الصور عن שלו לבבות
حيمي شاليف - محلل سياسي
•حقق الرئيس دونالد ترامب هذا الأسبوع رقماً عالمياً قياسياً في تغييرات مفاجئة وانعطافات وتراجعات. تخلى عن مواقف قديمة دون أن يلتفت إلى الخلف، قال شيئاً وعكسه دون أن يرف له جفن، وأعاد خلق نفسه من جديد من دون أن يفكّر مرتين. وشعر الخبراء، والمحللون، والساسة في جميع أنحاء العالم بالدوار، كما لو أنهم جالسون في سكة حديد أفعوانية في مدينة ملاهي.
•كان صديق بوتين، وفجأة هو خصمه. قال إن حلف الناتو منظمة عفا عليها الزمن وأنها لا تحارب الإرهاب، والآن قرر أنها لم تعد من طراز قديم وأنها تحارب الإرهاب. كان خصماً للصين، والآن هو من المعجبين بها. وعد بأن يعلن أن بيجين تتلاعب بالعملة ولكنه تخلى الآن عن ذلك. أراد عن يلغى بنك الاستيراد والتصدير، ولكنه لا يشعر الآن برغبة في فعل ذلك. وعد بأن يقيل رئيسة [بنك] الاحتياطي الفدرالي جانيت يلين، ولكنه الآن في مزاج مختلف. كان من أشد المعجبين بستيفن يانون، ولكنه يعتقد الآن أن مستشاره الاستراتيجي بولغ في كفاءته وقد تكون نهايته قريبة.
•منذ بداية حملته الانتخابية أدار ظهره لقيمة التماسك المنطقي بالمواقف، ولمصطلحي الحقيقة والكذب كما هو متعارف عليهما. وبهذا المعنى هو رئيس ما بعد حداثي. والحقيقة عنده ليست مكونة من حقائق صلبة، وإنما من الكلمات التي ينطق بها في وقت ما. فعندما يقول أن الرئيس السابق باراك أوباما تنصّت على فريق حملته الانتخابية، تصبح كلماته هي الحقيقة. وأبعد ذلك، الأمور يمكن أن تتغير بين دقيقة وأخرى. بالأمس بوتين كان عظيماً والصين مروّعة، واليوم الصحيح هو العكس. إسرائيل اليوم عظيمة ونحن نحبها، ولكن غداً ستكون عنيدة وغير متعاونة. وماذا بخصوص مليارات الدولارات التي ننفقها على دفاعها؟
•أثبت ترامب في الأسبوع الماضي أنه بينما يمكن للكونغرس والمحكمة العليا أن تقيّد الرئيس فيما يتعلق بسياسته الداخلية، فإنه في سياسة الأمن القومي والسياسية الخارجية حاكم مطلق الصلاحية. لقد أمر بأن تضرب صواريخ توما هوك قاعدة جوية سورية من دون أن ينتظر إذناً من أحد، وأوضح أنه سيكرر ذلك. استدار 180 درجة فيما يتعلق بموقفه من حلف الناتو وفي مقاربته الجيو استراتيجية تجاه روسيا والصين من دون أن يبدر عنه مسبقاً ما يشير إلى أن هذا ما سيحدث. التغيرات التكتونية (tectonic) تتطلب عادة سنوات كي تحدث، بينما هي تحدث عند ترامب فجأة بين لحظة وأخرى، كهزّة أرضية تضرب من دون إنذار.
•وهذا كله قيل أن نلتفت إلى تصريحات ترامب الصادمة، التي لم تعد تصدم أحداً، وبالتالي لم تعد تثير ضجة كما كانت تفعل في السابق. لقد أخبر محطة "فوكس نيوز" التلفزيونية كيف أنه أخبر الرئيس الصيني كسي (Xi) جيبينغ عن الهجوم على سورية "بينما كنا نتناول قطعة من أطيب كعكة شوكولاته رأيتها في حياتك. وقد استمتع كسي بأكلها". وأضاف ترامب أنه أخبر كسي أن "59 صاروخ توماهوك هي الآن في طريقها إلى العراق". وصححته السيدة التي كانت تجري المقابلة معه، ماريا بارتيرومو، قائلة "أنت تقصد سورية"، وأجابها زعيم العالم الحرّ "نعم. سورية".
•لقد حظي ترامب بمديح من قبل كثيرين على قصفه سورية رغم أن ما فعله مناقض لكل ما كان يقوله في الماضي بشأن الموضوع، وهذا قد يدفعه إلى محاولة معرفة إلى أي مدى يستطيع التقدم في هذا الاتجاه.
•بالإضافة إلى أهواء وتقلبات ترامب، تذكّرنا الصراعات على النفوذ والمكائد التي تحاك في البيت الأبيض، منذ توليه المنصب قبل ثلاثة شهور، بما كان يجري البلاط البيزنطي قبل ألف عام. ومن الواضح حالياً أن الجناح المُعتقد أنه أكثر اعتدالاً، والذي يقوده الزوج الأميري جاريد كوشنر وإيفانكا ترامب وكبير المستشارين الاقتصاديين غاري كوهن، هو في صعود، بينما أسهم الجناح الراديكالي اليميني الذي يقوده يانون،  هي في انحدار.
•[هل صعود هذا وانحدار ذاك] ناجم عن تكتيك مألوف "فرّق تسُد" يمارسه ترامب، والغاية منه ترسيخ مكانته وإبقاء مستشاريه في حالة قلق شديد، أو أنه دعم لأقاربه، أو ربما هو دلالة على تحول جدي لدى ترامب نحو موقف معتدل ووسطي؟ لا أحد يعرف، وحتى لو عرفت، هذا لا يلغي أن معرفتك عارضة وموقتة.
•لا يستطيع المرء أن يستبعد تماماً أن تكون تحركاته ناجمة عن عبقرية سياسية، سواء أكانت جزءاً من خطة عقلانية ومدروسة، أو ناجمة عن حاسة سادسة وموهبة غريزية. أما الرأي المخالف، والأكثر شيوعاً، فهو أن ترامب لا يزال هو ترامب نفسه، رئيس جاهل، عديم التجربة، مفتقر إلى الكفاءة، ولا عقلاني، كما اعتقد معظم الناس أنه سيكون.

•هذان الرأيان المتعارضات قد يتم اختبارهما قريباً في مشكلة كوريا الشمالية، حيث يبدو أن ترامب تخلى عن بعض الحذر الذي أبداه كل من أوباما وجورج دبليو بوش. إنه كمن يقول للصين "إكبحي جماحي، إكبحي جماحي" كي يرغمها على أن تتدخل، بينما هو في الوقت نفسه يبدأ لعبة خطرة جداً مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي هو بالتأكيد واحداً من زعماء العالم القلائل الذين هم غير متوازنين عقلياً أكثر مما هو حال ترامب. إن إرسال قوة بحرية ضاربة بقيادة حاملة الطائرات كارل فنسون إلى شواطىء كوريا الشمالية يمكن أن يدخل ترامب في مأزق صعب إذا ردت بيو نغيانع بتجربة نووية أو بتجربة صاروخ بالستي. عندئذ، سيضطر ترامب للاختيار بين كبح النفس الذي ينطوي على مذلة، أو الإقدام على رد يؤدي إلى تصعيد، في وقت لا قوات الولايات المتحدة العسكرية ولا العالم مستعدان له.

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: