هآرتس"، 5/7/2017
باراك رافيد - محلل سياسي,
•فور هبوط رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي من طائرة البوينغ 747 الضخمة في مطار بن- غوريون، سارع إلى معانقة نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنحه عناقه الحار المشهور. وبدا نتنياهو في مزاج جيد ومتحمساً. وأثناء مصافحة اليد الطويلة لنظيره الهندي قال: "هذه زيارة تاريخية".
•بخلاف مرات كثيرة في الماضي، هذه المرة لم يكن نتنياهو مبالغاً. فزيارة مودي لإسرائيل هي بالفعل زيارة تاريخية. هذه المرة الأولى التي يصل فيها رئيس حكومة هندية إلى إسرائيل. والسياق السياسي أيضاً الذي تجري فيه الزيارة تاريخي كذلك. فقد قطع مودي الصلة الثابتة التي أقامتها الهند بين تحسين وإعلان علاقاتها مع إسرائيل، وبين موقفها من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وتجنب بتهذيب زيارة رام الله. لقد كان نتنياهو يرغب في أن يتجلى هذا التوجه أيضاً في تصويت الهند في الأمم المتحدة، ولكن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان هذا سيحدث أم لا.
•لقد كان برنامج الزيارة أيضاً استثنائياً. فالموضوعات التي ستبحث ستكون مدنية تقريباً بصورة مطلقة، زيارة إلى مزرعة زهور، ونقاشات بشأن التعاون الزراعي، ومحادثات تتعلق بمشروع مشترك في مجال الفضاء، ولقاءات مع مدراء عامين من عشرات الشركات من القطاع الخاص من أجل تشجيع الأعمال. أجواء طبيعية منعشة غير مألوفة عندنا.
•القضية السياسية- الأمنية المُتوقع أن تطرح للنقاش هي التعاون في محاربة الارهاب. ذكر ذلك نتنياهو ومودي في تصريحاتهما العلنية في مستهل العشاء المشترك بينهما. وعندما يتحدث مودي عن الارهاب فإنه يقصد الارهاب الذي له علاقة بالتنظيمات الجهادية المتماهية مع القاعدة أو طالبان، والتي بتشجيع ودعم الاستخبارات الباكستانية تنفذ هجمات ضد الهند. ويسر الهند الحصول على أي مساعدة من إسرائيل في هذا المجال، سواء على المستوى العملي وأيضاً على صعيد الدعم السياسي الإسرائيلي.
•لكن هناك ارهاباً لا يرغب الهنود في الحديث عنه. قبل خمس سنوات ونصف السنة نفذ عملاء إيرانيون هجوماً ضد دبلوماسيين إسرائيليين في قلب نيودلهي على مسافة قريبة من مكتب مودي. وأصيبت زوجة الملحق العسكري في الهند تالي يهوشواع- كورين بجروح في هذا الهجوم. وفي شباط /فبراير الماضي قال سفير إسرائيل في الهند دانيال كرمون للصحيفة الهندية الواسعة الانتشار "هندوستان تايمز" إن "إسرائيل لن يهدأ لها بال حتى إحالة آخر متورط في هذا الهجوم على المحاكمة". لكن الهند لم تحاكم حتى المتورط الأول في هذا الهجوم.
•في الأشهر الأولى التي تلت الهجوم أجرى الهنود تحقيقاً. وألقوا القبض على مواطن هندي بتهمة مساعدة المهاجمين، وقدموا لائحة اتهام ضده. لكن بعد وقت قصير بدأت الهند في تمييع التحقيق. فأطلقوا سراح المتهم، ولم يصدر حكم ضده حتى الآن. هناك أكثر من ذلك، إذ على الرغم من معرفة الهنود جيداً بأن إيران هي التي تتحمل مسؤولية الهجوم، ولكنهم يرفضون الاعتراف رسمياً بذلك، فإنهم يرفضون كذلك توجيه الاتهام إلى النظام في طهران.
•قبل زيارة مودي ناقشوا في وزارة الخارجية المسألة المتعلقة بموضوع السلوك الهندي بشأن الهجوم على السفارة الهندية وكأنهم يتعاملون مع نفايات مشعة. وقال السفير كرمون عندما سُئل عن ذلك أثناء اللقاء مع المراسلين الصحافيين في وزارة الخارجية في القدس يوم الاثنين: "حكومة الهند لم تطمس التحقيق في الهجوم. ونحن سنواصل طرح الموضوع".
•لكن في أحاديث غير معدة للنشر يعترف مسؤولون كبار في المؤسسة الأمنية وفي وزارة الخارجية بأن المسألة قد أسدل الستار عليها وجرى تمييعها من جانب الهنود، الذين يتساهلون مع الإيرانيين بسبب سلسلة طويلة من المصالح الأخرى الأكثر أهمية. والهنود الذين يقيمون صلات وثيقة وحميمة مع الإيرانيين في مجال التجارة والطاقة، طلبوا منهم بتهذيب عدم معاودة القيام بهجمات ضد أهداف إسرائيلية في أراضيهم، وعملوا على إخفاء القضية.
•طوال السنوات الثماني الأخيرة احتلت المشكلة الإيرانية رأس جدول أعمال بنيامين نتنياهو تقريباً في كل لقاء له مع زعماء أجانب، خاصة الدول العظمى المركزية. ومنذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران وتحديداً منذ السنة الماضية، يعاود رئيس الحكومة الحديث عن التورط الإيراني في الارهاب في الشرق الأوسط وفي أنحاء العالم. ويحتج نتنياهو وموظفو وزارة الخارجية على كل زيارة يقوم بها وزير خارجية أو وزير اقتصاد أوروبي إلى إيران.
•لكن قبل زيارة مودي، بذل موظفو وزارة الخارجية كل جهدهم من أجل إبعاد الموضوع الإيراني عن جدول الأعمال العام وعن النقاش الاعلامي. وحتى لو طُرح الموضوع الإيراني في محادثات مغلقة أثناء الزيارة، فإنه ليس من المتوقع أن يهيمن عليها. والسبب هو الرغبة في منع نشوب خلاف أثناء زيارة مودي، وبخاصة خلاف علني، والرغبة أيضاً في الدفع قدماً بمصالح اقتصادية مع الهند. يمكننا أن نفهم أسلوب التمييع والإخفاء الهندي، لكن ما نفهمه أقل هو مشاركة إسرائيل فيه.
0 comments: