يديعوت أحرونوت"، 10/1/2018
أليكس فيشمان - محلل عسكري
•ليس مبالغة القول إن هناك مواجهة خفية تقوم إسرائيل بخوضها ضد إيران في الأرض السورية، وهي تخرج رويداً رويداً إلى العلن. وسواء أخذت إسرائيل على عاتقها المسؤولية عن الهجمات التي تقع على الأراضي السورية أم لا، مثلاً كتلك التي بلّغ عنها الجيش السوري أول أمس، لم يعد الأمر بهذه الأهمية. ونحن ملزمون بأن نعتاد على فكرة أن إسرائيل تدير مواجهة عسكرية تبدو منضبطة حتى الآن مع منظومة عسكرية إيرانية آخذة بالترسخ في سورية. ومن المعقول الافتراض أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية - الأمنية الذي عقد خلال الأيام الأخيرة سلسلة اجتماعات ناقش فيها السياسة الإسرائيلية التي يجب اتباعها في الجبهة الشمالية حيال سورية ولبنان وإيران في ضوء آخر الأوضاع فيها، توصل الى هذا الاستنتاج بالضبط.
•في السنة الأخيرة أكثرَ قادة المؤسسة الأمنية من الحديث عن إمكان أن تقيم إيران قواعد جوية وبحرية وبرية في سورية، وأن تفعّل فرقة من الميليشيات الشيعية ضد إسرائيل. وهذه تهديدات لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهلها، لكنها في واقع الأمر لا تشكل تحدياً عسكرياً حقيقياً، فالمشكلة المركزية في الجبهة السورية هي إقامة منظومة كثيفة من صواريخ أرض - أرض وصواريخ دقيقة تبدأ في لبنان وتمتد حتى جنوب الجولان وتغطي كل أراضي إسرائيل. ومثل هذا السيناريو سيجعل إسرائيل تقف أمام تحدٍّ أمني لم تعرف مثيلاً له من قبل. بموازاة ذلك يبني الإيرانيون جبهة صواريخ في قطاع غزة ستلزم الجيش الإسرائيلي بتقسيم جهوده في القتال في كل ما يتعلق بالسلاح الصاروخي من الشمال ومن الجنوب.
•حتى الآن لم تنجح إسرائيل في تعطيل منظومة الصواريخ والقاذفات الصاروخية المنتشرة منذ سنوات في لبنان. والصراع الذي تديره، وفقاً لوسائل إعلام أجنبية، يستهدف منع تحول منظومة الصواريخ التي بحيازة حزب الله في لبنان إلى منظومة دقيقة.
•أما في سورية فيمكن التقدير أن الإيرانيين لا يزالون في بداية عملية إقامة منظومة صواريخ مشابهة أكثر كثافة بالاستناد إلى صناعة محلية موجودة وإلى الجسر البري من إيران إلى سورية عبر العراق. إن ما تحتاج إيران إليه من أجل استكمال هذه المنظومة هو الزمن والمال. وإذا لم يكن الروس والأميركيون قادرين، أو أنهما لا يرغبان، في كبح ذلك بطريقة دبلوماسية لا يبقى أمام إسرائيل سوى العمل بنفسها.
•لا يمكن بعد اليوم الاختباء خلف أقوال غامضة وتلميحات. إن ما يجري في الجبهة الشمالية هو حرب بكل معنى الكلمة. وعلى العدو أن يعرف ذلك، والأهم هو أن على الجمهور في إسرائيل أن يستوعب وأن يستعد.
•وفقاً لادعاءات الجيش السوري، جرت الهجمة الأخيرة التي قام بها سلاح الجو الإسرائيلي ضد مجمع عسكري بالقرب من القطيفة [ريف دمشق] حيث كانت في الماضي ألوية صواريخ سكود السورية. وعلى ما يبدو، يتم في هذه المنطقة تركيز القاذفات الصاروخية، والصواريخ، ومصانع الإنتاج، والمخازن المخصصة لسورية ولبنان. ويدور الحديث عن منظومة واحدة سبق لوزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أن عرّفها بأنها "الجبهة الشمالية" قائلاً: "لم يعد بعد الآن وجود لسورية ولبنان كل على حدة، بل يوجد سور ناري إيراني ممتد من البحر الأبيض المتوسط وحتى جنوب الجولان. وسيتواصل القتال ضد هذه المنظومات بقوة متفاوتة ترتبط بمستوى الرد السوري - الإيراني وبسلوك حزب الله. وإذا لم يتراجع أحد ما هناك فقد تنشب حرب".
•حالياً لا توجد مؤشرات إلى أي تراجع من جانب إيران، بل على العكس، فعلى الرغم من التظاهرات الأخيرة في هذا البلد كانت السنتان الأخيرتان الأكثر نجاحاً من ناحية نظام آيات الله في نشر الثورة الإسلامية. وإذا كان الإنجاز المركزي للحرس الثوري الإيراني حتى سنة 2015 وجد تعبيره في لبنان، ففي السنتين الأخيرتين نجحت إيران في إحكام قبضتها على العراق وأفغانستان وسورية واليمن وفي تعميق نفوذها في عُمان وفي البحرين. ونظام طهران، ولا سيما الحرس الثوري، موجود في حالة نشوة بسبب إحساس النصر في سورية. ويعتزم الإيرانيون ترجمة الانتصار في سورية إلى إنجازات اقتصادية وبالأساس استراتيجية. وما زلنا نذكر تصريح حسين سلامة نائب قائد الحرس الثوري أنه في الاستراتيجيا الإيرانية لم تعد إسرائيل منذ الآن تُعتبر تهديداً لأن حزب الله بات متفوقاً عليها. وسواء أكان هذا صحيحاً أو لا، فالإيرانيون يؤمنون بذلك ويتصرفون بناء عليه ويضعون أمام حكومة إسرائيل تحدياً سياسياً وأمنياً من الدرجة الأولى.
0 comments: