نوايا إيران تأتى بنتائج عكسية في جنوب العراق
متاح أيضاً في English
9 آب/أغسطس 2018
تعامل الإعلام السائد في العراق مع التظاهرات التي انطلقت من البصرة في الثامن من تمّوز/يوليو الماضي، وامتدت إلى محافظات أخرى كـ واسط وميسان وذي قار وكربلاء وغيرها، على أنها فقط نتيجة لأزمة الطاقة وانتشار البطالة، ولكن الحقيقة أنها محصلة عدة أزمات اقتصادية وسياسية كبيرة تولدت نتيجة تزايد النفوذ الإيراني في العراق، وهو ما يدركه المتظاهرون تماما. وتساهم البصرة بنحو 80% من صادرات النفط العراقي، وقد أهملت هذه المدينة أولا من قبل الرئيس السابق صدام حسين ثم من قبل الحكومات المتعاقبة التي تزعمها الشيعة. وقد ذكرت بعض التقارير الأخيرة أن بعض أهالي الجنوب نزحوا إلى محافظة الأنبار للبحث عن عمل في مجال الزراعة نتيجة العوز والفقر المدقع وانتشار البطالة. وتأتى تلك الاحتجاجات في وقت يناضل فيها العراق من أجل أعاده البناء بعد حرب دامت ثلاث سنوات ضد المجاهدين الإسلاميين الذين دمروا البنية التحتية للبلاد.
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء حيدر العبادي أعلن عن استثمارات جديدة بقيمة ثلاثة مليار دولار لمقاطعة البصرة، وتعهد بإنفاق إضافي على الإسكان والمدارس والخدمات، إلا أن الاحتجاجات استمرت وامتدت لتصل إلى العاصمة بغداد. وتطرح تلك التظاهرات تساؤل مهم مفاده، من المستفيد من توسع هذه المظاهرات؟ ومن المستفيد من تعثر إمدادات النفط العراقي؟
ومن الجدير بالذكر أن الفساد المالي الإداري الذي تعاني منه منطقة الجنوب، دفع محافظة البصرة إلى استيراد طاقتها كليا من إيران بدلا من أن تنشأ فيها محطات خاصة. وقد قامت إيران بوقف تصدير للتيار الكهربائي والذي جاء متزامنا مع القرارات الأمريكية بإعادة فرض العقوبات عليها، مما أدى إلى انقطاع المياه الصالحة للشرب والتحمم نتيجة لتوقف المضخات الكهربائية، وتوقفت كل الأجهزة التي تخفف من درجات الحرارة التي وصلت لأكثر من 50 مئوية. ومن ثم، كان رد فعل المواطنين تجاه إيران متوقعا.
وعلى عكس ما ورد في التقارير الإعلامية المحلية، يرى الكثير من المحللون أن إيران هي في الحقيقة من تقف خلف تلك التظاهرات حيث قطعت الكهرباء عن عمد لتثير الجماهير وتدفعهم للفوضى بغية تهديد الشركات النفطية لأن تتحمل خسائر باهظة جدا، تؤلمها وتؤثر في لوبياتها التي يمكن أن تتحرك في واشنطن ولندن لتضغط على إدارة الرئيس ترامب لتخفيف الحصار عسى أن يكون هناك حل تفاوضي ينصاع له الغرب وأمريكا بعد قرار استئناف فرض العقوبات. كما تأمل إيران أن تؤدي المظاهرات إلى تراجع الإنتاج النفطي العراقي في مقابل ارتفاع أسعار النفط عالميا، وهو ما يمثل هدية قيمة للاقتصاد الإيراني وذلك في ظل استئناف فرض العقوبات الأمريكية عليها. وربما سعت إيران أيضا إلى دفع سكان الجنوب العراقي إلى الاحتجاج على حكومة العبادي، للضغط باتجاه تشكيل تحالف حكومي طائفي يصب في صالح استمرار نفوذها في العراق، بعد النتائج المخيبة لحلفائها بالانتخابات.
ومع دخول الاحتجاجات في العراق شهرها الثاني، يبدو أن إيران وقعت في الفخ الذي صنعته لنفسها وأشعلت فتيل النار الذي قد يحرق حلفاءها من قادة المليشيات والموالين لها.
ساهمت تظاهرات الجنوب في إسقاط حاجز الخوف لدى المواطن البسيط من التعرض لميليشيات طهران في العراق، فبعد أن كان المواطن الجنوبي خاضعا لأفعال تلك الجماعات، بات هو من يبحث عنها ليقتص منها. ومن المثير للدهشة أن تلك الأحزاب باتت تبحث عن ملاذ آمن، وتستنجد بالقوات الحكومية لحمايتها وحماية مقارها، بعد أن أصبحت المتهم الأول في جريمة قتل المتظاهرين.
وقد تصدى المتظاهرون مباشرة لقضية النفوذ الإيراني في السياسة العراقية حيث رفعوا بعض الشعارات باللغتين العربية والإيرانية وكتب فيها "نقدم مطالبنا للحكومة الإيرانية، عفوا نقصد الحكومة العراقية"، والمقصود هنا هو الازدراء بالحكومة العراقية واتهامها بانه مجرد تابع لحكومة طهران. ومن المفارقات أن تتحول مسارات التظاهرات من اتجاه شركات النفط إلى مقرّات الأحزاب الإسلامية والفصائل الموالية لإيران كـ حزب الدعوة وتيار الحكيم ومقر مليشيا عصائب أهل الحق وبدر وفي أكثر من محافظة، حيث قاموا بإحراق مَقَرّ حزب الدعوة الحاكم التابع لإيران ومقرّات المليشيات الإيرانية. كما قامت مجموعات من المتظاهرين يطلقون على أنفسهم شباب "الثورة الشعبية الكبرى"، بإحراق صور رموز دينية عائدة لزعامات الأحزاب التي تتصدر المشهد السياسي والأمني في البلاد والموالية لطهران؛ من بينها صور هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي، وقبلها صور الخميني والمرشد الإيراني خامنئي.
هذا ويشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن المتظاهرين استهدفوا أركان العملية السياسية في العراق للتأثير على تشكيل الحكومة المرتقبة وإبعاد الحكومة القادمة عن النفوذ الإيراني قدر الإمكان والتي دفعت أحد أهم صقور إيران في العراق ألا وهو رئيس مليشيا بدر السيد هادي العامري إلى الاعتذار لأهل الجنوب، حيث اعلن في خطاب جماهيري انه "يجب أن نعترف أننا اخفقنا في حق شعبنا وعجزنا أن نقدم له الحياة الكريمة- سواء عن قصد أو غير قصد - وتركنا شعبنا يعانى وانشغلنا بصراعاتنا الداخلية." ومع ذلك، واجه العامري العديد من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة عدم تحمله المسئولية واكتفائه بالاعتذار على خلفية تلك الاحتجاجات.
ومن ثم،يجب على إدارة ترامب اقتناص فرصة تزايد الرفض الشعبي الشيعي العراقي للنفوذ الإيراني في العراق، واستثمار تلك الأحداث لإعادة صياغة علاقتها الاستراتيجية مع العراق على أساس إضعاف النفوذ الإيراني، ودعم توجهات تشكيل حكومة مستقله وإعادة صياغة الدستور والعمل على تحويل العراق من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بحيث يكون هناك رئيس وبرلمان منتخبان من قبل الشعب. كما يجب أن تعمل الحكومة العراقية على التركيز على محافظات الجنوب والاهتمام بزيادة حجم الاستثمارات فيها للحد من تفشى ظاهرة البطالة بين الشباب ومكافحة الفساد.
0 comments: