مباط عال"، 8/1/2019
أورنا مزراحي - باحثة في معهد دراسات الأمن القومي
- على الرغم من التخبط في المنظومة الإسرائيلية عشية عملية "درع شمالي" بشأن ضرورة الإسراع في تنفيذها وطبيعتها (عسكرية أو هندسية)، ففي ميزان الربح والخسارة بالنسبة إلى إسرائيل، بعد مرور شهر على بدايتها (4 كانون الأول/ديسمبر)، يمكن بالتأكيد الإشارة إلى مجموعة من الإنجازات التي حققتها إسرائيل حتى الآن، في الأساس على الصعيد العسكري. اكتشاف الأنفاق (خمسة حتى الآن) وتدميرها سحبا من يدي حزب الله أداة مهمة وأحبطا خطته مفاجأة إسرائيل بواسطتها في أثناء عملية برية في الشمال تشمل التسلل إلى مستوطنات بالإضافة إلى إطلاق صواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. فيما لو نجحت خطة حزب الله لكان ذلك شكّل حادثة ذات تأثير جزئي على المعركة، لكن على الرغم من ذلك فإن الجيش الإسرائيلي كان سيضطر إلى توظيف موارد في مواجهة هذا التحدي وسيكون لذلك تأثير في الوعي، عندما سيحاول حزب الله أن يسجل لنفسه "صورة انتصار" في بداية الحرب.
- بالإضافة إلى إظهار القوة العسكرية - العملانية والتكنولوجية للجيش الإسرائيلي، يجدر بنا الإشارة أيضاً إلى إنجاز استخباراتي: لقد أثبت الجيش الإسرائيلي تفوقه الاستخباراتي بمجرد كشفه الأنفاق والملاحقة السرية لعمليات الحفر عدة سنوات؛ وإذا كان حزب الله خطط لمفاجأة إسرائيل، يبدو أنه هو نفسه فوجىء بالعملية الإسرائيلية.
- إظهار القدرة الاستخباراتية والعملانية للجيش في هذه العملية يقوي أيضاً إلى حد ما من الردع الإسرائيلي الذي عبّر عنه "الصمت المدوي" من حزب الله خلال الشهر الأخير، وغياب ردّ مهم من عناصره وقيادته، لا في تصريحات علنية ولا في عمليات على الأرض، باستثناء جهد محدود لإظهار وجود عناصره في الجانب الآخر من الحدود. ومن دون أن يسبب ذلك إزعاجاً مهماً لعمليات الجيش الإسرائيلي، على الرغم من الانعكاسات على الطرف الثاني. ثمة تفسير محتمل لرد حزب الله المضبوط هو حرص الجيش الإسرائيلي على العمل ضمن المجال الإسرائيلي. لكن طبيعة هذا الرد ترسخ التقدير بشأن عدم رغبة حزب الله - وإسرائيل أيضاً - في نشوب مواجهة في الوقت الحالي. ويبدو أن ما ساهم في ذلك التغطية الإعلامية - والموجهة إلى التأثير في الوعي للعملية من جانب إسرائيل، والتي قدمت صورة واضحة لأهداف الجيش الإسرائيلي ونشاطه، بما في ذلك تزويد قوات اليونيفيل بالمستجدات ومن خلالها الجيش اللبناني، وبذلك قلّصت من احتمالات نشوب احتكاك عسكري، وسوء حسابات وتصعيد.
- من المهم الإشارة أيضاً إلى أن التهديد المركزي الذي يشكله حزب الله على أهداف استراتيجية وعلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية بقي على حاله. الإنجاز في مواجهة الأنفاق الهجومية ليس لديه القدرة على التأثير في استمرار بناء القوة الأساسية لحزب الله الذي سيواصل جهوده بمساعدة إيران للتزود بسلاح استراتيجي، ومن أجل تحسين دقة إصابة منظومة الصواريخ التي لديه.
- في المعركة السياسية التي رافقت العملية ميزان الإنجازات مضطرب. في الجانب الإيجابي حظيت إسرائيل بتفهم إيجابي على الساحة الدولية بشأن ضرورة العملية في مواجهة التهديد الخطِر الذي يمثله على السكان الإسرائيليين في الشمال، وفي ضوء حقيقة أنها أنفاق تعبر إلى أرض إسرائيل، ويشكل حفرها انتهاكاً لسيادتها. وهكذا يستطيع الجيش الإسرائيلي الاستمرار في عملياته في الشمال من دون قيود سياسية. مع ذلك، لم تنجح إسرائيل حتى الآن في ترجمة هذا التفهم من أجل الدفع قدماً بهدفين استراتيجيين في الساحة السياسية، يمكن أن يخدمانها في المواجهة المستقبلية مع حزب الله: تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية أعمال الحزب (موقف يتردد في كل بيانات الناطق بلسان الجيش بشأن العملية)؛ وتوسيع الاعتراف في الساحة الدولية بحزب الله كتنظيم إرهابي، من خلال إلغاء التمييز الذي يتبناه الغرب بين الذراع العسكرية للحزب ومكوناته السياسية.
- بخلاف سياسة إسرائيل في حرب لبنان الثانية (2006)، والتي امتنعت خلالها من ضرب البنية التحتية وأهداف استراتيجية في لبنان، فإن مقاربة "المسؤولية السياسية" للبنان عن الأعمال العسكرية للحزب، أصبح لها بعد حرب لبنان الثانية موطىء قدم في المؤسسة الإسرائيلية. وذلك انطلاقاً من الإدراك أنه في الحرب المقبلة، إذا نشبت وعندما تنشب، ستضطر إسرائيل إلى القيام بعمليات عسكرية واسعة ليس فقط ضد أهداف حزب الله، بل أيضاً ضد أهداف لبنانية، لعرقلة قدرة الحزب على إطلاق صواريخ نحو مواقع استراتيجية وتجمعات سكانية في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ومن أجل إيجاد ضغط دولي لتقصير أمد المعركة. تبنّي مقاربة المسؤولية السياسية للبنان من شأنها بالإضافة إلى ذلك أن تؤدي إلى تعزيز الردع الإسرائيلي، وزيادة الكوابح على الحزب لمنعه من القيام بمبادرة عسكرية ضد إسرائيل.
- مع ذلك، فإن المطالبة بتحميل لبنان مسؤولية أعمال حزب الله تشكو من ضعفين أساسيين: الأول هو عدم وجود شرعية دولية لضرب إسرائيل أهدافاً استراتيجية في لبنان وضرب السكان؛ والثاني يكمن في ضعف الدولة والجيش في لبنان، غير القادريْن على مواجهة الحزب الذي يزداد قوة في المنظومة السياسية (دليل على ذلك الصعوبة التي يواجهها سعد الحريري في تأليف الحكومة منذ انتخابه في أيار/مايو 2018)، إلى جانب ضعف الجيش اللبناني المحدود القدرات (على الرغم من جهود الولايات المتحدة وفرنسا لتقويته)، والمخترَق من قبل عناصر تابعة لحزب الله وكونه خاضع لتأثير الحزب.
- لقد أوجدت العملية فرصة للدفع قدماً باعتراف دولي بمسؤولية لبنان، لكن النقاش في مجلس الأمن (19 كانون الأول/ديسمبر) كان يشمل تقارير فقط، وردود الفعل الوحيدة التي يمكن أن نجد فيها تأييداً معيناً لمطلب إسرائيل كانت من جانب قوات اليونيفيل وروسيا، ونجم ذلك عن الحاجة العملية إلى تقديم رد على السؤال: من يعالج الأنفاق في الجانب اللبناني؟ بيان اليونفيل العائد إلى (17 كانون الأول/ديسمبر) تضمّن أيضاً الطلب من الحكومة اللبنانية اتخاذ خطوات إزاء الكشف عن الأنفاق. وبالاستناد إلى تقارير صحافية، روسيا هي أيضاً نقلت رسالة إلى الحكومة اللبنانية تدعوها إلى معالجة مسألة الأنفاق في جانبها، وذلك بالاستناد إلى مقاربة أن الحكومة اللبنانية هي المسؤولة عن تطبيق قرار مجلس الأمن 1701. ومن المثير للاهتمام أيضاً تعهُد الرئيس اللبناني ميشال عون بعد لقائه بالمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان (13 كانون الأول/ديسمبر) معالجة مسألة الأنفاق كي لا تستغلها إسرائيل لضرب الاستقرار في الجنوب اللبناني. تشكل هذه التصريحات "طرف الخيط" الذي يجب على إسرائيل استغلاله.
- في المقابل ، موقف الولايات المتحدة مختلف ولم تنجح إسرائيل في تجنيد التأييد الأميركي لطلبها تحميل المسؤولية للدولة اللبنانية. تعمل الولايات المتحدة فعلاً على فرض عقوبات على حزب الله، لكنها ترفض تحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية أو العمل ضدها، وخصوصاً في ضوء الأهمية التي تعطيها لتقوية الجيش اللبناني الذي وظفت فيه منذ سنة 2007 نحو 1.7مليار دولار. وبحسب التقارير، كان هذا هو الموقف الذي عرضه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في اللقاء الذي جرى بينهما عشية عملية درع شمالي (في 3 كانون الأول/ديسمبر)، والذي عرضه الأميركيون أيضاً خلال مناقشة الموضوع في مجلس الأمن. وبقي السؤال على حاله، هل الإدارة الأميركية وبصورة خاصة الرئيس دونالد ترامب، سيبقيان على معارضتهما الموقف الإسرائيلي من هذا الموضوع في حال بروز سيناريو تعرُّض الجبهة الداخلية الإسرائيلية لهجوم خطِر؟
كيف يتعين على إسرائيل أن تتصرف من الآن فصاعداً؟
- على الصعيد العملاني - التكتي في مواجهة خطر الأنفاق، من الواضح أنه من أجل المحافظة على هذا الإنجاز، يجب على إسرائيل مواصلة عملها للكشف عن الأنفاق وتدميرها في الجانب الإسرائيلي من الحدود، مع تقليص احتمالات حدوث احتكاك يمكن أن يؤدي إلى تصعيد ويجر حزب الله إلى رد امتنع حتى الآن من القيام به. في المقابل، الجهد الأساسي لإسرائيل في الفترة المقبلة يجب أن يتنقل إلى الساحة السياسية في إطار المعركة الشاملة ضد حزب الله. الكشف عن الأنفاق يقدم فرصة مهمة لم تُستنفذ حتى الآن، من أجل إظهار التهديد الذي يشكله حزب الله كتنظيم، ليس على إسرائيل فقط، بل أيضاً على دولة لبنان وسكانها. ويجب أن يوجَّه أساس الجهد السياسي نحو الساحة الدولية، وفي الأساس لتجنيد الولايات المتحدة، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي وروسيا - سواء من أجل إيجاد شرعية للمقاربة الإسرائيلية بشأن مسؤولية لبنان السياسية، أم لتوسيع الاعتراف بالسلوك السلبي لحزب الله الذي يهدد إسرائيل واستقرار لبنان.
- في هذا الإطار يتعين على إسرائيل أن توضح موقفها فيما يتعلق بتقوية الجيش اللبناني، والذي يتماشى مع المطالبة بتحمّل الدولة اللبنانية المسؤولية: من مصلحة إسرائيل تقوية هذا الجيش كثقل مضاد لحزب لله، من خلال المحافظة على استقلاليته وتحييد تأثير حزب الله فيه، كجزء من العملية الحيوية المتمثلة في نزع سلاح حزب الله.
- إن الحاجة إلى معالجة الأنفاق في الجانب اللبناني يمكن أن تشكل سبباً جيداً لشدّ الأطراف الدولية إلى جانبنا. يجب على إسرائيل مواصلة مطالبتها بتحييد الأنفاق أيضاً في الجانب اللبناني وإيجاد آلية تدخل دولي لمعالجة ذلك بالتنسيق مع لبنان (الرئيس عون ورئيس الحكومة الحريري). هذه الآلية يمكن أن تشمل قوات اليونيفيل، لكن ضمن صيغة محسّنة وبدعم أميركي، كي نضمن فعالية لم تتحقق حتى الآن.
0 comments: