التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والإمارات: جذور عميقة ومكاسب كبيرة
بواسطة كاثرين باور
٨ مارس ٢٠٢٢
Also published in "كارافان"
Israeli and UAE flags flying together in Abu Dhabi - source: Reuters
عن المؤلفين
Katherine Bauer
كاثرين باور
كاثرين باور هي زميلة "بلومنستين كاتس فاميلي" في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية.
مقالات وشهادة
من الاستثمارات الثنائية المتزايدة بين دولة الإمارات وإسرائيل إلى الحديث عن "رباعية جديدة"، من الممكن أن تؤثر هذه العلاقة بشكل كبير في المنافسة والتكامل الاقتصادي في المنطقة وخارجها.
حين أُعلن عن "اتفاقيات إبراهيم" في شهر آب/أغسطس 2020 في خضم حالة التشوش الجماعية التي أحدثتها الجائحة، لم يكن صمود التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين (ولاحقاً السودان والمغرب) أمراً مفروغاً منه. ورغم ذلك، إذا نظرنا إلى الوراء، من الممكن وضع هذه الخطوة في سياق الاتجاهات الإقليمية الأوسع نطاقاً. ومن المرجح في المرحلة المقبلة أن تحفّز التجارة والاستثمار الثنائيين التعاونَ في مجالات أخرى. ومع ذلك، قد تكون الاستثمارات المشتركة في بلدان ثالثة وغيرها من الترتيبات الاقتصادية متعددة الأطراف هي التي ستعمل أكثر من غيرها على النهوض بالأهداف الاستراتيجية المشتركة.
وفي حين أن العامل المباشر الذي حفّز "اتفاقيات إبراهيم" كان اقتراح الإمارات بتطبيع العلاقات مع إسرائيل إذا ما أوقفت هذه الأخيرة خططها لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، إلا أن عوامل أخرى لعبت دورها أيضاً. على سبيل المثال، استطاعت الإمارات الاستفادة سياسياً من علاقاتها السرية القائمة منذ فترة طويلة - والتي تأمل في نموها بشكل كبير - في مجالَي التجارة والاستثمار، علماً بأن بعضها مرتبط بالأمن أيضاً. وكان أحد العوامل المحفزة الأخرى التوافق المتزايد على جبهتين: المخاوف المتعلقة بدور إيران المخلّ بالاستقرار في المنطقة والتصور بفك ارتباط الولايات المتحدة بالشرق الأوسط وسط تركيزها الأكبر على منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ومع التوجه نحو آسيا، سيزيد اعتماد الولايات المتحدة على التحالفات الإقليمية من أجل التعامل مع التحديات المحلية. كما أن انتهاج إدارة بايدن سياسة خارجية تتخذ طابع الصفقات في الشرق الأوسط، يكشف عن رغبة في رؤية الحلول تنبثق من المنطقة وليس من التدخل الأمريكي. ومع ذلك، فإن الإمارات وإسرائيل بشكل خاص تشعران بالقلق نفسه من أن الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة لصدّ الخروقات الاقتصادية والسياسية الصينية في المنطقة، سيحرمهما من الاستثمارات والتكنولوجيا. ومع تعمّق العلاقات الاقتصادية وتفرّع الشركاء، قد يتمكّنان من الاستفادة من التكتلات الاقتصادية الناشئة داخل الشرق الأوسط وخارجه، مثل ما يسمى بـ "الرباعية الجديدة"، للتعويض عن بعضٍ من هذه الفرص الضائعة.
العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والإمارات
شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين إسرائيل والإمارات الزخم الأكبر بين الدول التي تسعى إلى التطبيع مع إسرائيل. وحتى قبل إبرام الاتفاقيات، كانت التجارة بين إسرائيل ودول الخليج، بما فيها الإمارات، تقدَّر بنحو مليار دولار سنوياً، معظمها من خلال شركات تابعة مقرها في أوروبا ودول أخرى. غير أن التجارة الثنائية بين الإمارات وإسرائيل ناهزت وحدها المليار دولار في نهاية عام 2021، دون أن تشمل السياحة والاستثمار، وقال مسؤولون إماراتيون إنها قد تتجاوز تريليون دولار على مدى العقد المقبل. وفي الواقع، وقّع البلدان العشرات من مذكرات التفاهم وبدأت المفاوضات حول "اتفاقية التجارة الحرة" في تشرين الثاني/نوفمبر.
وتشكّل التكنولوجيا الإسرائيلية محور اهتمام خاص لدى دول الخليج، لكن هذه الدول ترى مصلحة مشتركة في توسيع التعاون في كل مجال من الزراعة والمناخ والصحة إلى الأمن السيبراني والخدمات المالية. فبعد فترة وجيزة من إبرام الاتفاقيات، أعلنت الإمارات عن خطط لاستثمار 10 مليارات دولار "في إسرائيل ومعها" - وهي مجموعة من الأموال الخاصة والحكومية التي من المرجح أن تشمل الاستثمار في الشركات التكنولوجية الإسرائيلية الناشئة وكذلك المشاريع الكبرى. وبينما من غير المرجح تنفيذ إحدى أكبر الصفقات بينهما، وهي مشروع بناء ميناء مياه عميقة في إيلات وخط أنابيب من ميناء البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط، بسبب المخاوف البيئية، لا يزال هناك الكثير من الحديث بكثرة عن استثمارات كبيرة لصناديق الثروة السيادية الإماراتية في إسرائيل.
وبالنسبة للإمارات، ترافق التطبيع مع إسرائيل مع نصيبه من التهديدات المتزايدة، لكن القادة الإماراتيين أكدوا أنهم يعتبرون التطبيع مع إسرائيل جزءاً من إعادة تنظيم أوسع نطاقاً للسياسة الخارجية للإمارات مع أهداف اقتصادية. ففي كلمة ألقاها وزير الدولة الإماراتي السابق أنور قرقاش في "ملتقى أبوظبي الاستراتيجي" في تشرين الثاني/نوفمبر، حذّر من مغبّة أن تعتبر بلاده الازدهار الاقتصادي من المسلّمات. فقد انكمش الاقتصاد الإماراتي بنسبة 6٪ في عام 2020 بسبب تراجع القطاعات التي تنطوي على قدر كبير من الاتصال والتفاعل بين الناس، كالسفر والضيافة. وبينما يتوقع "صندوق النقد الدولي" أن نمو "الناتج المحلي الإجمالي" سوف ينتعش إلى 2٪ في عام 2021، فإنه يشير إلى أن النمو لم يعود بعد إلى المعدلات التي سبقت الأزمة المالية العالمية (2007).
ومع نضوج القطاعات المعروفة تاريخياً بنموها المرتفع في الإمارات، مثل العقارات والبنية التحتية، فمن المرجح أن تتصدر المملكة العربية السعودية النمو في المنطقة خلال العقد المقبل حيث تركز على نفس القطاعات على الصعيد المحلي. وبالفعل، ثمة بوادر منافسة في الأفق: فقد أصدرت السلطات السعودية في شباط/فبراير 2021، في ما اعتبره الكثيرون تهديداً مباشراً للشركات المتعددة الجنسيات التي تعمل في دبي، مرسوماً يستوجب من الشركات الأجنبية نقل مقارّها الإقليمية إلى المملكة بحلول عام 2024 أو المخاطرة بخسارة عقود حكومية سعودية مربحة.
وتُعد إصلاحات التأشيرات والملكية الأجنبية التي أعلنت عنها دولة الإمارات في عام 2021 جزءاً من جهد أكبر لجذب واستبقاء العمّال ذوي المهارات العالية ممّن يستطيعون المساهمة في تحقيق هدف الإمارات المتمثل في بناء اقتصاد قائم على المعرفة. وتنتهز شركات التكنولوجيا الإسرائيلية هذه الفرص. فوفقاً لبعض التقارير تقوم شركات مثل "فينتيك رابيد" (Fintech Rapyd) ومقرها تل أبيب بفتح مكاتب لها في الإمارات، على أمل جذب قوة عاملة دولية وسط نقص العمالة في إسرائيل. كما أعلنت شركة رأس المال الاستثماري "أور كراود" (Our Crowd) ومقرها القدس أنها بصدد إنشاء متجر في "سوق أبو ظبي العالمي" في تشرين الثاني/نوفمبر، قائلة إنها لن تسمح للشركة بزيادة رأس المال في الإمارات فحسب، بل ستعمل أيضاً على الترويج للشركات الناشئة الإماراتية والإقليمية. وخصص "مكتب أبوظبي للاستثمار"، ومقره في "سوق أبو ظبي العالمي"، 2 مليار درهم إماراتي (حوالي 500 مليون دولار) كمنح وخصومات على "رواتب ذوي المهارات العالية" للشركات التي تتخذ من المركز المالي مقراً لها.
توسيع التكتلات الاقتصادية في المنطقة وخارجها
في سياق سعي الإمارات لحماية دورها كمركز مالي واقتصادي إقليمي، تعمل الدولة أيضاً على إبرام مجموعة وافرة من الاتفاقيات التجارية الجديدة - مثل "اتفاقية التجارة الحرة" مع إسرائيل وكذلك مع الهند وتركيا وإندونيسيا وكولومبيا - وتوسيع الاستثمار الاستراتيجي، لا سيما في آسيا و أفريقيا. ومن خلال الجمع بين التكنولوجيا والابتكار الإسرائيليين وخبرة الشركات الإماراتية في إدارة المشاريع والخدمات اللوجستية، تأمل الإمارات في متابعة صفقات ثلاثية أو حتى متعددة الأطراف مع إسرائيل في دول ثالثة.
وبالإضافة إلى اقتران الخبرة النسبية، تمنح الاتفاقات الثلاثية كلا الطرفين غطاء وثقة قد لا تكون موجودة بعد على الصعيد الثنائي. ففي تشرين الثاني/نوفمبر، على سبيل المثال، وقعت الإمارات وإسرائيل والأردن اتفاقية المياه مقابل الطاقة والتي ستقوم بموجبها شركة إماراتية ببناء محطة للطاقة الشمسية في الأردن لتوفير الكهرباء لمحطة إسرائيلة لتحلية المياه، والتي بدورها سترسل المياه إلى الأردن. وقبل ذلك بشهر، وافقت إسرائيل على زيادة الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية بنحو ثلاثة أضعاف كجزء من اتفاقية مياه منفصلة؛ وهو طلب قائم منذ مدة طويلة يمكن أن يساعد في دعم الاقتصاد الأردني والفلسطيني.
وفي الواقع، بالإضافة إلى "اتفاقيات إبراهيم"، كان هناك تعميق للعلاقات الاقتصادية والسياسية على مدار العام الماضي مع شريكي السلام الأقدم لإسرائيل، الأردن ومصر. ففي أيلول/سبتمبر، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بأول زيارة لرئيس دولة إسرائيلي لمصر منذ عشر سنوات. وفي شباط/فبراير، وافقت إسرائيل على صادرات غاز إضافية إلى مصر عبر الأردن، مما أدى إلى تعميق الروابط الإقليمية في مجال الطاقة.
وفي المستقبل، هناك أمل في أن يؤدي تكامل الطاقة الإقليمي الأعظم إلى فتح فرص للتوسع في أسواق أكبر في أوروبا. كما شاركت الشركات الإماراتية في المبادرات. ففي كانون الأول/ديسمبر أكملت شركة "مبادلة" الإماراتية شراء حصة بقيمة مليار دولار في حقل غاز "تمار" الإسرائيلي، مما يجعلها أكبر صفقة تجارية بين إسرائيل والإمارات منذ التطبيع.
وسرت أيضاً تكهنات عن مشاريع مشتركة محتملة بين تركيا والإمارات وإسرائيل، والتي يمكن أن تشمل مكوناً للطاقة. فقد أعلنت الإمارات عن صندوق استثمار في تركيا بقيمة 10 مليارات دولار خلال زيارة قام بها ولي العهد الإماراتي الأمير محمد بن زايد في تشرين الثاني/نوفمبر. وأشارت الزيارة إلى تقارب بين تركيا والإمارات بعد أن انحازا إلى طرفين متعارضين في عدد من الصراعات الإقليمية في السنوات الأخيرة، من ليبيا إلى الشقاق القطري. وسعت تركيا أيضاً إلى تحسين علاقاتها مع إسرائيل، التي توترت الروابط معها منذ أكثر من عقد، وكذلك مع مصر، وربما السعودية في نهاية المطاف، وسط فوضى اقتصادية محلية شملت ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية.
وخارج منطقة الشرق الأوسط، يُعد إنشاء مجموعة عمل من وزراء خارجية الولايات المتحدة والهند والإمارات وإسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر بمثابة مكاسب أخرى من الاتفاقيات. وفي حين أطلق البعض على الكتلة اسم "الرباعية الجديدة"، بخلاف الحوار الأمني الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، فإن تركيز هذا الاتحاد، على الأقل في البداية، سيكون اقتصادياً فقط.
وتتمتع كل من الإمارات وإسرائيل بالفعل بعلاقات عميقة مع الهند، ويبدو أن الهند متحمسة لتوسيعها. فقد أبرمت الإمارات والهند "اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة" في شباط/فبراير. كما احتفلت إسرائيل والهند بمرور ثلاثين عاماً على إقامة علاقات دبلوماسية وسط بعض الصخب في حزيران/يونيو الماضي. والهند هي وجهة أخرى يمكن أن تجتمع فيها الخبرة والتمويل الإسرائيليان والإماراتيان في مشاريع التكنولوجيا والبنية التحتية والنقل. كما أن التعاون في مجال المصارف والتقنيات المالية وتمويل التجارة يمكن أن يعود بأرباح كبيرة.
وفي حين أن "الرباعية الجديدة" (أو "الثنائية"؟) لا تزال في نشأتها، فهي ناشطة وفقاً لبعض التقارير. ومن الممكن أن يؤدي التكامل الاقتصادي الإقليمي الأكبر وظهور تكتلات اقتصادية تتخطى الحدود الإقليمية إلى زيادة المنافسة في الأسواق الإقليمية بحيث لا يكون الخيار بين الولايات المتحدة أو الصين فقط.
كاثرين باور، زميلة "بلومنشتاين-كاتز فاميلي" في معهد واشنطن، ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "كارافان" التابع لـ "معهد هوفر".
0 comments: