صحيفة "هآرتس"، العدد 18/3/2022
يسرائيل هرئيل - كاتب ومحلل صحافي في صحيفة "هآرتس"، من مؤسسي مجلس المستوطنات في الضفة وقطاع غزة
- مَن يملك القدرة على توزيع انتباهه على أكثر من جهة، استطاع هذا الأسبوع أن ينتبه إلى ما يحدث في إسرائيل أيضاً، واطّلع على قرار مهم جداً اتخذته الحكومة: إقامة مدينة جديدة. المدينة التي سيُطلق عليها اسم "كاسيف"، ستقام في وسط النقب، وتخصَّص للجمهور الأرثوذكسي الحريدي. في المرحلة الأولى، سيُبنى فيها نحو 20 ألف وحدة سكنية، بالإضافة إلى منطقة صناعية للتكنولوجيا المتطورة. وإلى جانب حل أزمة السكن لدى الحريديم، فإن إقامة المدينة في المنطقة المذكورة، تحديداً، ستساعد بصورة غير مباشرة في منع استيلاء البدو على الأراضي في النقب، الأمر الذي ازداد بصورة مرعبة خلال الأعوام الأخيرة.
- القرار ذاته أيضاً يشمل توسيع نيتسانا، التي كانت حتى اليوم مؤسسة تعليمية دينية تأسست على يد لوبا إلياف. في نيتسانا، في الحي الموجود في الجزء الجنوبي من النقب على الحدود مع مصر، سيسكن في المرحلة الأولى قرابة 10 آلاف شخص. هنا أيضاً، يوجد هدف سياسي واضح جداً: وقف مبادرات مختلفة لـ "تبادُل أراضٍ"، يحلم بها بعض مراكز الأبحاث "الاستراتيجية"، ومنظمات داعمة للفلسطينيين تعيش على "صناعة السلام". الفكرة: نقل أراضٍ في منطقة حلوتسا إلى الدولة الفلسطينية، في مقابل تنازُلها عن قطعة ضيقة موجودة في الضفة الغربية، وفيها تتركز "كتل استيطانية".
- قرار الحكومة التي تملك فيها حركة ميرتس وحزب العمل والقائمة العربية الموحدة (راعام) حق النقض (فيتو)، هو جزء من خطة أوسع: إقامة عشر بلدات إضافية، بدفع ومبادرة من وزير الإسكان زئيف إلكين ووزيرة الداخلية أييليت شاكيد. ويبدو أن "حكومة بينت التي تخدم الإخوان المسلمين"، بحسب وصف بنيامين نتنياهو، تقوم بتمرير قرارات صهيونية أكثر شجاعة من حكوماته التي لم تقُم بأي شيء. نعم، يتضح، تحديداً، أن حكومة "القائمة العربية الموحدة"، بحسب الوصف الدوري في القناة 14 وإذاعة "الجيش الإسرائيلي"، تبادر وتنفّذ في مجالات صهيونية استراتيجية كثيرة لم يقُم نتنياهو بفعل أي شيء من أجلها.
- ومن المفاجئ أن قرار الحكومة اتُّخذ في ظل انتقادات واسعة من الحريديم. هؤلاء الذين بنَت لهم الدولة بلدات وأحياء كاملة في الشمال والوسط، يرفضون النقب. ما علاقة الحريديم بالمهمات القومية، حتى لو لم تكن هذه المهام عبارة عن خدمة عسكرية، أو حتى خدمة مدنية. حقيقة أن الدولة ستدعم، بسخاء، أسعار الوحدات السكنية، كما تدعمها دائماً، لم تكن كافية بالنسبة إلى نائب رئيس الكنيست يعقوب آشر. "هذه الحكومة"، كما جاء في ردّه، "تعمل على تحويل الحريديم إلى مواطنين من الدرجة د". وأضاف: "أقترح على الوزير إلكين أن يرسل أولاده للسكن في الكسيفة، إلى جانب شركائه الحكوميين من راعام".
- رجال أعمال حريديم آخرون، مثل يعقوب ليتسمان وموشيه غافني، ردوا بالطريقة عينها. هذه التصريحات ضد إقامة خطط بناء على شاكلة كاسيف، وضد قوانين كقانون التجنيد، تؤكد إلى أي درجة وصل انفصال هؤلاء عن حاجات جمهورهم. قانون التجنيد الذي أُقرّ قبل نحو شهر، يعفي الحريديم من التجنيد. كل طالب متدين يستطيع الخروج إلى الحياة المدنية في جيل الـ 21 عاماً، ويحصل على مهنة. وأيضاً، هذا القانون المضحك يعتبره السياسيون الحريديم "كارثة".
- إذا تمّ بناء كاسيف، من دون حل آخر لمشكلة السكن لدى الحريديم، فإنهم سيسكنون فيها، جماعياً. بذلك، سيتحولون على الأقل في مجال واحد، من فئة تأخذ فقط، إلى فئة تساهم أيضاً في جهد قومي أهميته لا تضاهى، حتى لو كان هذا من دون قصد.
0 comments: