حدود "الإشتباك" الأميركي – الروسي في سوريا وعليها
السبت 25 شباط 2012، آخر تحديث 09:20 عبد الهادي محفوظ* -

ما هو مستقبل "النزاع الدولي" في سوريا وعلى سوريا؟
بدأت الأحداث في سوريا بمدينة درعا. وكان يمكن تطويقها وحصرها لو لجأ النظام السياسي مبكرا إلى معالجة الأسباب وأخذ في الإعتبار التركيبة العشائرية ونظام القيم المحلية والتداعيات الإقتصادية والإجتماعية التي نجمت عن الأخذ بسياسة الإنفتاح واقتصاد السوق ومردودها السلبي على مستوى المعيشة والضمانات الإجتماعية... لكن كل ذلك من الماضي بحيث أن الخطوات اللاحقة للمعالجة جاءت في توقيت متأخر جدا بحيث أصبح "الحل الداخلي" متعذرا بحكم الإشتباك السياسي الدولي والإقليمي. ومع ذلك كان هناك توظيف دولي وإقليمي هدفه تعطيل أي خطوة تتخذها السلطة لمعالجة هادئة رغم اعتراض الرئيس السوري بشار الأسد على الشطط الذي ذهبت إليه أحيانا الإجراءات الأمنية المتشددة.
في مرحلة أولى برز في شكل صارخ العامل التركي في الأزمة السورية. فأنقرة شاءت أن تكون اللاعب الإقليمي الذي يرعى "الربيع العربي" على قاعدة "صحوة إسلامية" تعتمد "النموذج التركي". وحاولت تركيا أن تستفيد من "غياب العامل العربي" ومن الإنشغال المصري ومن مخاوف دول الخليج من إيران. وبالفعل شيئا فشيئا اقتربت الدول الخليجية من الموقف التركي وبرزت قطر كدولة محورية وبقيت المملكة العربية السعودية في "الظل" فيما بدت فرنسا متحمسة لعملية إسقاط النظام في سوريا تحت عنوان "أن تركيا تضمن قيام نظام إسلامي معتدل يقطع الطريق على التطرف السلفي". وأما الولايات المتحدة الأميركية فناسبها ما يجري في سوريا لأن ذلك يستتبع إضعافا للعلاقة السورية الإيرانية ويضع النظام الإيراني في موقع دفاعي... لكن واشنطن بقيت على مسافة ما من الحسابات التركية والأوروبية والخليجية من دون أن تعترض على هذه الحسابات أي أنها لم تلتزم بإسقاط النظام ولا ببقائه وتركت الأمور لميزان القوى الداخلي والإقليمي – الدولي.
في التطورات أُغلِق الباب على "الحل العربي" الذي اعتمد "الجامعة العربية" مدخلا لتنحية الرئيس السوري بشار الأسد. كما أُقفِلت المنافذ على التدخل العسكري. وأما اللجوء إلى "تدويل الوضع" في مجلس الأمن فلجمه الفيتو الروسي والصيني. وبالتالي فإن خيارات قيام تحالف دولي – خليجي من خارج مجلس الأمن لا يتيح الفرصة أمام تدخل عسكري خارجي أو إقامة "مناطق عازلة" لأن في ذلك مخاطر حرب إقليمية دولية تتجاوز المعطى السوري. وهكذا تندفع الأمور باتجاه آخر تبدو فيه القوى الإقليمية مهمّشة على اختلافها ويتعزز فيه دور كل من واشنطن وموسكو على السواء وما يعطي هذا الدور دفعا إضافيا بروز تنظيم "القاعدة" على الملعب السوري واحتمال اندفاع الوضع نحو حرب أهلية. والملاحظ أن واشنطن تعترف بأن حضور "القاعدة" العسكري والأمني على الساحة السورية هو مصدر قلق لها. ذلك أنه يمكن لـ"القاعدة" أن تستفيد من معطيات "الإشتباك السياسي الدولي" حول سوريا لتعزيز مكانتها مستفيدة من غياب وحدة المعارضة ومن كونها تستدعي التدخل العسكري الخارجي. وبالتأكيد فإن واشنطن بتجربتها في ثورات "الربيع العربي" تراهن على المؤسسة العسكرية. لكن إلى الآن هذه المؤسسة متماسكة وتقف وراء النظام السوري. وبدون هذه المؤسسة فإن "المثال الليبي" جاهز وما استتبعه من نشاط متزايد لـ"السلفية الجهادية". كذلك فإن "المثال العراقي" الذي أسهمت واشنطن فيه بفرط المؤسسة العسكرية العراقية كان سببا في توليد "القاعدة" وما سببته من إرباكات للأميركيين وللعراقيين على السواء. والمربك للأميركيين أن "بلاد الشام" من العراق إلى سوريا والأردن ولبنان وفلسطين هي الساحة الفضلى "للقاعدة" إذا توفرت حالة من اللااستقرار ومن مناخات "الحرب الباردة".
والواضح أن الإنخراط الروسي الواسع في المعادلة السورية مردّه أن موسكو التي تبحث عن تعزيز حضورها الأوسطي تجد في ذلك مناسبة مؤاتية لوقف الزحف الأيديولوجي الإسلامي السلفي باتجاه الداخل الروسي. ومن هنا فإن موسكو تستجيب في حركتها السياسية في سوريا ونحوها إلى مصالحها الجيوسياسية وإلى بحثها الدائم لكسر الأحادية القطبية الأميركية. وفي هذا السياق تنضج ظروف الحل الأميركي – الروسي للأزمة السورية عبر استبعاد اللاعبين الآخرين. وإلى الآن ليست واضحة تماما معالم هذا الحل وإن كانت الإدارة الأميركية ترتاح لشراكة مع روسيا في الوضع السوري تستبقي معادلة التسوية السلمية ممكنة للصراع العربي – الإسرائيلي. فالتسوية الأميركية – الروسية ستخرج بالضرورة بنظام سياسي جديد يفتح المجال على الإصلاحات السياسية وعلى فكرة الدولة لأن "البديل" هو الحرب الأهلية والتمزق الطائفي. وهو بديل يستحيل في ظله قيام إي إصلاح سياسي للنظام في سوريا. والتجربة اللبنانية غنية بحيث أن لبنان لم يخرج حتى اللحظة من تداعيات العام 1975. وهو قابل للتفجر من جديد بفعل الوضع السوري.
الوقت عنصر ثمين لكل الأطراف المعنية بالملف السوري. من السلطة إلى المعارضة إلى المملكة العربية السعودية إلى تركيا وإيران وأيضا إلى واشنطن وموسكو. ومع ذلك فإن سوريا حاليا هي تحت المجهر الأميركي – الروسي بحيث تتم محاصرة المفاجآت غير المحسوبة وغير المضبوطة.. ولعل تجنب "الحرب الشاملة" الأوسطية هو القاسم المشترك بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين وما يفترضه ذلك من مخارج مقبولة من الطرفين من داخل مجلس الأمن أوخارجه.
بدأت الأحداث في سوريا بمدينة درعا. وكان يمكن تطويقها وحصرها لو لجأ النظام السياسي مبكرا إلى معالجة الأسباب وأخذ في الإعتبار التركيبة العشائرية ونظام القيم المحلية والتداعيات الإقتصادية والإجتماعية التي نجمت عن الأخذ بسياسة الإنفتاح واقتصاد السوق ومردودها السلبي على مستوى المعيشة والضمانات الإجتماعية... لكن كل ذلك من الماضي بحيث أن الخطوات اللاحقة للمعالجة جاءت في توقيت متأخر جدا بحيث أصبح "الحل الداخلي" متعذرا بحكم الإشتباك السياسي الدولي والإقليمي. ومع ذلك كان هناك توظيف دولي وإقليمي هدفه تعطيل أي خطوة تتخذها السلطة لمعالجة هادئة رغم اعتراض الرئيس السوري بشار الأسد على الشطط الذي ذهبت إليه أحيانا الإجراءات الأمنية المتشددة.
في مرحلة أولى برز في شكل صارخ العامل التركي في الأزمة السورية. فأنقرة شاءت أن تكون اللاعب الإقليمي الذي يرعى "الربيع العربي" على قاعدة "صحوة إسلامية" تعتمد "النموذج التركي". وحاولت تركيا أن تستفيد من "غياب العامل العربي" ومن الإنشغال المصري ومن مخاوف دول الخليج من إيران. وبالفعل شيئا فشيئا اقتربت الدول الخليجية من الموقف التركي وبرزت قطر كدولة محورية وبقيت المملكة العربية السعودية في "الظل" فيما بدت فرنسا متحمسة لعملية إسقاط النظام في سوريا تحت عنوان "أن تركيا تضمن قيام نظام إسلامي معتدل يقطع الطريق على التطرف السلفي". وأما الولايات المتحدة الأميركية فناسبها ما يجري في سوريا لأن ذلك يستتبع إضعافا للعلاقة السورية الإيرانية ويضع النظام الإيراني في موقع دفاعي... لكن واشنطن بقيت على مسافة ما من الحسابات التركية والأوروبية والخليجية من دون أن تعترض على هذه الحسابات أي أنها لم تلتزم بإسقاط النظام ولا ببقائه وتركت الأمور لميزان القوى الداخلي والإقليمي – الدولي.
في التطورات أُغلِق الباب على "الحل العربي" الذي اعتمد "الجامعة العربية" مدخلا لتنحية الرئيس السوري بشار الأسد. كما أُقفِلت المنافذ على التدخل العسكري. وأما اللجوء إلى "تدويل الوضع" في مجلس الأمن فلجمه الفيتو الروسي والصيني. وبالتالي فإن خيارات قيام تحالف دولي – خليجي من خارج مجلس الأمن لا يتيح الفرصة أمام تدخل عسكري خارجي أو إقامة "مناطق عازلة" لأن في ذلك مخاطر حرب إقليمية دولية تتجاوز المعطى السوري. وهكذا تندفع الأمور باتجاه آخر تبدو فيه القوى الإقليمية مهمّشة على اختلافها ويتعزز فيه دور كل من واشنطن وموسكو على السواء وما يعطي هذا الدور دفعا إضافيا بروز تنظيم "القاعدة" على الملعب السوري واحتمال اندفاع الوضع نحو حرب أهلية. والملاحظ أن واشنطن تعترف بأن حضور "القاعدة" العسكري والأمني على الساحة السورية هو مصدر قلق لها. ذلك أنه يمكن لـ"القاعدة" أن تستفيد من معطيات "الإشتباك السياسي الدولي" حول سوريا لتعزيز مكانتها مستفيدة من غياب وحدة المعارضة ومن كونها تستدعي التدخل العسكري الخارجي. وبالتأكيد فإن واشنطن بتجربتها في ثورات "الربيع العربي" تراهن على المؤسسة العسكرية. لكن إلى الآن هذه المؤسسة متماسكة وتقف وراء النظام السوري. وبدون هذه المؤسسة فإن "المثال الليبي" جاهز وما استتبعه من نشاط متزايد لـ"السلفية الجهادية". كذلك فإن "المثال العراقي" الذي أسهمت واشنطن فيه بفرط المؤسسة العسكرية العراقية كان سببا في توليد "القاعدة" وما سببته من إرباكات للأميركيين وللعراقيين على السواء. والمربك للأميركيين أن "بلاد الشام" من العراق إلى سوريا والأردن ولبنان وفلسطين هي الساحة الفضلى "للقاعدة" إذا توفرت حالة من اللااستقرار ومن مناخات "الحرب الباردة".
والواضح أن الإنخراط الروسي الواسع في المعادلة السورية مردّه أن موسكو التي تبحث عن تعزيز حضورها الأوسطي تجد في ذلك مناسبة مؤاتية لوقف الزحف الأيديولوجي الإسلامي السلفي باتجاه الداخل الروسي. ومن هنا فإن موسكو تستجيب في حركتها السياسية في سوريا ونحوها إلى مصالحها الجيوسياسية وإلى بحثها الدائم لكسر الأحادية القطبية الأميركية. وفي هذا السياق تنضج ظروف الحل الأميركي – الروسي للأزمة السورية عبر استبعاد اللاعبين الآخرين. وإلى الآن ليست واضحة تماما معالم هذا الحل وإن كانت الإدارة الأميركية ترتاح لشراكة مع روسيا في الوضع السوري تستبقي معادلة التسوية السلمية ممكنة للصراع العربي – الإسرائيلي. فالتسوية الأميركية – الروسية ستخرج بالضرورة بنظام سياسي جديد يفتح المجال على الإصلاحات السياسية وعلى فكرة الدولة لأن "البديل" هو الحرب الأهلية والتمزق الطائفي. وهو بديل يستحيل في ظله قيام إي إصلاح سياسي للنظام في سوريا. والتجربة اللبنانية غنية بحيث أن لبنان لم يخرج حتى اللحظة من تداعيات العام 1975. وهو قابل للتفجر من جديد بفعل الوضع السوري.
الوقت عنصر ثمين لكل الأطراف المعنية بالملف السوري. من السلطة إلى المعارضة إلى المملكة العربية السعودية إلى تركيا وإيران وأيضا إلى واشنطن وموسكو. ومع ذلك فإن سوريا حاليا هي تحت المجهر الأميركي – الروسي بحيث تتم محاصرة المفاجآت غير المحسوبة وغير المضبوطة.. ولعل تجنب "الحرب الشاملة" الأوسطية هو القاسم المشترك بين باراك أوباما وفلاديمير بوتين وما يفترضه ذلك من مخارج مقبولة من الطرفين من داخل مجلس الأمن أوخارجه.
0 comments: