تحليلات وتقارير حول
المتغيرات السياسية في حكومة نتياهو
إسرائيل لن تهاجم إيران هذا العام
تسفي برئيل - محلل سياسي "هآرتس"،
9/5/2012
·
منذ أكثر من عام ونحن
ننتظر الصيف الإيراني، ونعدّ الأشهر والأيام التي تفصلنا عن الموعد المنتظر،
ونتساءل هل علينا مهاجمة إيران أم الامتناع من ذلك؟ لقد كنا متأكدين من أننا بعد
مرور ثلاثة أشهر سنكون قادرين على معرفة ما إذا كانت الحرب ستقع، إلاّ إن مفاجأة
كبيرة كانت في انتظارنا، وبدلاً من أن نكون إزاء حكومة متخبطة منقسمة تسعى لنيل
رضى الناخبين، إذا بنا أمام محدلة حكومية تعتمد على أغلبية 94 عضو كنيست. لكن من
حسن حظنا أن الصفقة التي جرت بين موفاز ونتنياهو سيكون لها أثرها أيضاً في موضوع
الهجوم على إيران، فالسياسيون الذين يحبون الحياة لا يذهبون إلى الحرب.
·
من المؤشرات الأولى على
ذلك ما لمّح إليه وزير الدفاع، إيهود باراك، قبل بضعة أسابيع بأن أي هجوم إسرائيلي
ضد إيران يجب أن يأخذ في الاعتبار الانتخابات الأميركية، الأمر الذي يعني تأجيل
موعد الهجوم إلى ما بعد تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. بعد ذلك جاءت إشارات أخرى،
فقد اعتبر الإيرانيون أن المفاوضات النووية التي جرت في مؤتمر إستانبول هي
"خطوة مهمة إلى الأمام." وأبدت الدول الست الكبرى التي شاركت في هذه
المفاوضات حماستها إزاء المرونة التي أظهرها الإيرانيون، والتي تمثلت في تخليهم عن
كل الشروط المسبقة واستعدادهم للبحث في أمر تخصيب اليوارنيوم، ومسارعتهم إلى
الموافقة على عقد جولة أخرى من المفاوضات في بغداد. وقال وزير الخارجية الإيرانية
علي أكبر صالحي "إذا كنا في إستانبول قمنا بخطوة مهمة إلى الأمام، فإننا في
مؤتمر بغداد سنقوم بخطوات عديدة أخرى." ومثل هذا الكلام لم يسبق أن سمعناه من
إيران.
·
إلاّ إن إيران استقبلت
نتائج الانتخابات في فرنسا واليونان بمشاعر مختلطة، فسياسة الرئيس المنتخب فرانسوا
هولاند تعارض التدخل العسكري في إيران على الرغم من تصريحاته الكثيرة الرافضة
لامتلاكها السلاح النووي، وهو، على العكس من نيكولا ساركوزي، المحافظ وحليف
المحافظين الأميركيين الجدد من أمثال جورج بوش الذي كان مع التدخل العسكري في
ليبيا. يؤمن بالعلاقات الهادئة بين الاتحاد الأوروبي وبين إيران، ويعارض، بصورة
عامة، سياسة ساركوزي العنيفة، وقد يشكل انتخابه بداية بروز خلافات داخل الاتحاد
الأوروبي بشأن السياسة الخارجية.
·
لكن، وعلى الرغم من ذلك،
تسببت الانتخابات في فرنسا واليونان بخسائر اقتصادية كبيرة لإيران جراء انخفاض سعر
برميل النفط هذا الأسبوع ثلاثة دولارات، وذلك لأول مرة منذ كانون الأول/ديسمبر
الفائت، أي الشهر الذي هددت فيه إيران بإغلاق مضيق هرمز. ومن المنتظر أن تساهم
الأزمة الاقتصادية في اليونان واستمرارالبطالة في الولايات المتحدة في تخفيض أسعار
النفط، الأمر الذي سيبدد آمال الإيرانيين باستغلال الارتفاع الذي سيحدث في أسعار
النفط نتيجة تقلص مبيعاتهم منه بسبب العقوبات المفروضة عليهم، وتحقيق الأرباح
الطائلة.
·
إن الانخفاض الضئيل الذي
طرأ على أسعار النفط في الأيام الأخيرة هو الخبر الجيد الذي تأمل من خلاله اليونان
ودول الاتحاد الأوروبي أن يساعدها في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها
أوروبا. وإذا كان السلاح النووي الإيراني يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، فإن ارتفاع
أسعار النفط يشكل تهديداً استراتيجياً لاقتصاد أوروبا التي طلبت من باراك أوباما
تهدئة حليفته إسرائيل. فما يجري لا يقتصر على موضوع بسيط مثل عملية تفاوضية أو
تجميد البناء في المستوطنات، بل يمس الاستقرار في العالم، ولا سيما أن استقرار
أسواق البورصة العالمية بات يعتمد على ما قد تقوله إيران وما قد تفعله إسرائيل.
·
جميع هذه الاعتبارات تضع
إسرائيل في مواجهة معضلات صعبة، فهل عليها عدم مهاجمة إيران؟ أم تهاجمها وتتحول
إلى عدوة العالم كله؟ يبدو أن الجواب عن هذا السؤال عليه أن ينتظر صيف 2013.
[هل
انضمام موفاز إلى الحكومة سيبعد الهجوم الإسرائيلي على إيران؟]
عاموس هرئيل - محلل سياسي "هآرتس"،
11/5/2012
·
تحول المشروع
النووي الإيراني إلى ذريعة لتفسير كل خطوة سياسية إسرائيلية. لكن رغم كل التعليقات
التي برزت في العالم والتي توقعت أن يؤدي تأليف حكومة الوحدة الوطنية في إسرائيل
إلى تقريب موعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، فإن السبب الحقيقي لانضمام كاديما
إلى الائتلاف الحكومي هو دفاع الطرفين[ الحكومة وموفاز] عن بقائهما السياسي.
·
وفي الواقع
يستخدم رئيس الحكومة ما يقال عن أن إيران هي سبب تشكيل حكومة الوحدة، لخدمة هدفه
الأعلى ألا وهو التشديد على ما قاله رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس في
مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس" (25/4/2012) من أن التهديد بشأن
استخدام الخيار العسكري ضد إيران "يجب أن يؤخذ على محمل الجد"، وذلك في
محاولة واضحة من جانب كل من رئيس الحكومة ووزير الدفاع لرفع سقف الضغوطات على
المجتمع الدولي.
·
إذا اقتنعت
الدول الغربية الكبرى ومعها الصين وروسيا وإيران بأن إسرائيل جدية بشأن هجومها على
إيران، فإن هذا سيزيد في حظوظ التوصل إلى تسوية معقولة مع طهران تعفي إسرائيل من
تنفيذ هجومها. ومما لاشك فيه أن السابقة التاريخية لتشكيل حكومة وحدة وطنية عشية
حرب الأيام الستة [1967] قد ساهمت في انتشار الفرضية القائلة بأن انضمام كاديما
إلى الحكومة سيمنح هذه الحكومة موافقة داخلية واسعة لأي خطوة ستتخذها ضد إيران.
لكن نقطة الضعف الأساسية في هذه الفرضية هي أن شاؤول موفاز حتى الآن ما زال يتحفظ
من هجوم إسرائيلي ضد إيران.
·
في الواقع،
فإن موفاز أكثر معرفة وعمقاً وإدراكاً للموضوعات الاستراتيجية من أغلبية الأشخاص
الذين هاجموه هذا الأسبوع واعتبروا انضمامه إلى نتنياهو وباراك يهدف إلى خدمة
مصالحه الشخصية. ومع ذلك فإن النقطة التي تبقى غير واضحة هي ما الذي سيحدث في داخل
الغرف المغلقة؟ وهل سيكون بالامكان الاعتماد على موفاز في الحكومة وداخل طاقم
الوزراء التسعة؟
·
إن المواقف من
الهجوم على إيران داخل طاقم الوزراء التسعة ليست واضحة كما تبدو من الخارج. فوزراء
مثل أفيغدور ليبرمان وإيلي يشاي هما ضد المواقف الصقرية، ومواقفهما أكثر مرونة.
وحتى الآن يبدو رئيس الحكومة هو الأكثر تشدداً، إذ وفقاً لمصادر عسكرية لم يتوقف
نتنياهو عن الحديث على الخيار العسكري وهو ما زال مقتنعاً به اقتناعاً داخلياً
عميقاً.
·
من هنا
فالسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل سيتضامن يعالون مع موفاز داخل طاقم الوزراء
التسعة ويشكلان موقفاً معارضاً لكل من نتنياهو وباراك المؤيدين للهجوم على إيران؟
·
ثمة عناصر
كثيرة غير معروفة داخل هذه المعادلة المعقدة تجعل من الصعب جداً التنبؤ بما سيحدث
في هذه المرحلة. ويكفي هنا أن نذكر ما أعلنه الرئيس أوباما هذا الأسبوع عن زيادة
ضخمة في المساعدة الخارجية لإسرائيل، وهي زيادة استثنائية بالنظر للظروف
الاقتصادية الحالية الصعبة في الولايات المتحدة. إذ قررت الإدارة الأميركية زيادة
680 مليون دولار، من أجل السماح لإسرائيل بالحصول على منظومات دفاعية مضادة للصواريخ
من طراز "القبة الحديدة" و" العصا السحرية". ومما لا شك فيه
أن إسرائيل لم تحظ برئيس أميركي أكرم من الرئيس أوباما. لكن هذا لا يعني أن كراهية
أوباما لنتنياهو أصبحت أقل من السابق، أو أنه أصبح أقل غضباً من الدعم العلني
لرئيس الحكومة الإسرائيلية لأخصامه من الجمهوريين. وثمة افتراض بأن أوباما سيصفي
حساباته مع نتنياهو في حال فاز في الانتخابات المقبلة، وأن العدواة بين الرجلين
ستظهر من جديد من خلال موقف الرئيس الأميركي تجاه إيران بعد الانتخابات.
[الإدارة
الأميركية تتخوف من أن يكون تأليف حكومة وحدة وطنية إسرائيلية خطوة تمهيدية لشن
هجوم على إيران]
"معاريف"،
11/5/2012
علمت صحيفة "معاريف" أن الإدارة
الأميركية طلبت من إسرائيل أن تزودها بتوضيحات بشأن تداعيات تأليف حكومة وحدة
وطنية.
وعلى ما يبدو فإن هذه الإدارة تتخوف من أن يكون ضم
شاؤول موفاز، رئيس كاديما، إلى هذه الحكومة بمثابة خطوة تمهيدية لشن هجوم عسكري
إسرائيلي على إيران في شهري أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر المقبلين، أي قبل
انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وقد تحدث موظفون كبار في واشنطن في هذا الشأن مع
السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة مايكل أورن، كما أجرى السفير الأميركي في
إسرائيل دان شابيرو اتصالات تتعلق بهذا الموضوع مع كبار المسؤولين في كل من وزارة
الدفاع وديوان رئيس الحكومة.
ومن المتوقع أن يقوم وزير الدفاع إيهود باراك
الأسبوع المقبل بزيارة للولايات المتحدة كانت مقررة قبل تأليف حكومة الوحدة
الوطنية، ومن المنتظر أن تُدرج تداعيات تأليف هذه الحكومة على الموقف
الإسرائيلي من إيران في إطار المحادثات
التي سيجريها باراك مع كبار المسؤولين في كل من وزارة الدفاع الأميركية والبيت
الأبيض.
على صعيد آخر علمت صحيفة "معاريف" أيضًا
أنه في سياق المشاورات بشأن تأليف حكومة الوحدة الوطنية التي جرت بين رئيس الحكومة
ورئيس الليكود بنيامين نتنياهو، ورئيس كاديما شاؤول موفاز، طلب الأول أن يعرف ما
هو موقف الثاني إزاء السياسة التي تتبعها الحكومة لكبح البرنامج النووي الإيراني،
وإزاء الجدول الزمني الذي تعتمده في هذا الخصوص، ويبدو أن موفاز أبدى موافقته على
هذه السياسة، وعلى الجدول الزمني المتعلق بشن هجوم عسكري على المنشآت النووية في
إيران.
وقال مصدر سياسي رفيع المستوى في القدس إن
"موفاز متفق مع نتنياهو تمامًا". وهذا يعني ترجيح كفة الموقف الذي
يتبناه كل من نتنياهو وباراك، والمؤيد شن هجوم عسكري على المنشآت النووية
الإيرانية، في "طاقم الوزراء الثمانية" الذي يضم كلا من رئيس الحكومة،
ووزير الدفاع، والوزراء أفيغدور ليبرمان، وإيلي يشاي، ويوفال شتاينيتس، وموشيه
يعالون، وبني بيغن، ودان مريدور، والذي سيصبح مع انضمام موفاز إليه "طاقم
الوزراء التسعة"، وهو يعتبر أرفع طاقم داخل الحكومة يتخذ القرارات السياسية
والأمنية الحساسة.
ومعروف أن أربعة أعضاء من "طاقم الوزراء
الثمانية" وهم نتنياهو وباراك وليبرمان وشتاينيتس يؤيدون شن هجوم عسكري على
إيران، بينما يعارض الوزراء الأربعة الآخرون وهم يعالون ويشاي وبيغن ومريدور شن
هجوم كهذا.
وكانت "معاريف" قد نشرت في وقت سابق أن
نتنياهو منح الرئيس الأميركي باراك أوباما مهلة تنتهي في الخريف المقبل لكبح
البرنامج النووي الإيراني من خلال الوسائل الدبلوماسية، وفي حال عدم حدوث ذلك ثمة
احتمال كبير بأن تشن إسرائيل هجومًا عسكريًا على إيران خلال شهري أيلول/ سبتمبر-
تشرين الأول/ أكتوبر، بحجة أن أي هجوم بعد هذا التاريخ لن يكون مجديًا من وجهة
نظرها
جيمس زغبي
مرة أخرى فعلها نتنياهو المعروف بمناوراته ودهائه
السياسي، فقبل لحظات فقط على مصادقة البرلمان الإسرائيلي على قانون تنظيم انتخابات
مبكرة أعلن حزب "كاديما" أنه أنهى مفاوضاته مع رئيس الوزراء، وأنه سينضم
إلى حكومة ائتلاف موسع هي الأكبر من نوعها في تاريخ إسرائيل تشمل 94 نائباً من أصل
120 نائباً في "الكنيست" الإسرائيلي. وبالطبع كانت لهذه الخطوة تداعيات
في عموم المنطقة، فضلاً عن التعليقات التي أثارها الإعلان في الولايات المتحدة عن
المغزى الحقيقي من هذا التحرك المفاجئ على الساحة الإسرائيلية. وخلال الأيام
القليلة التي أعقبت إعلان التحالف الحكومي الموسع في الدولة العبرية كان مذهلاً متابعة
القراءات المتعددة للمعلقين العرب والإسرائيليين والأميركيين الذين سعوا كلاً من
موقعه إلى سبر أغوار هذه الخطوة الإسرائيلية وفهم الهدف من تشكيل حكومة ائتلاف
موسع في تل أبيب. وفي هذا السياق ذهب العديد من المراقبين العرب إلى التحذير من أن
التحرك الإسرائيلي قد يكون نذير حرب جديدة في المنطقة بالنظر إلى السوابق
التاريخية التي تثبت هذا التوجه، ولاسيما الائتلاف الحكومي الذي شُكل عشية حرب عام
1967. وأوضح أحد المحللين العرب هذا الموقف المتخوف من الخطوة الإسرائيلية بالقول
إنه "تحالف حرب"، مشيراً إلى أن الهدف قد يكون إيران أو لبنان. أما
الصحافة الأميركية المتوهمة دائماً بشأن "النوايا الحسنة" لإسرائيل فقد
نظرت في مجملها إلى الإعلان عن تشكيل حكومة ائتلافية في تل أبيب على أنه خطوة
"إيجابية"، واعتبر الليبراليون الأميركيون أن الحكومة الموسعة ستمنح
نتنياهو تفويضاً أقوى يستطيع بموجبه التحرك بثقة نحو اتفاق للتسوية مع
الفلسطينيين، قائلين إن إسرائيل "تحت قيادة نتنياهو أقوى من أي وقت
مضى".
وهذا الرأي المتفائل ينسجم مع الانتقاد المبطن من قبل
وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، لنتنياهو بأنه لن يعود بمقدوره التحجج بفقدان
أغلبيته الحكومية إن هو اتجه إلى السلام مع الفلسطينيين، ولاسيما أنه اليوم في
موقع سياسي مريح يمنحه الفرصة، على الأقل، لتعزيز الحوار مع السلطة الفلسطينية.
غير أن المحافظين الجدد تبنوا النظرة العربية للتحرك الإسرائيلي وإن كان من زاوية
مختلفة، ففيما عبر العرب عن خشيتهم من الحكومة الجديدة وما قد تحمله من نذر حرب
مدمرة في المنطقة، بدا المحافظون الجدد متحمسين لأية مغامرة عسكرية جديدة. ولكن
الملفت في جميع التعليقات هو ما جاء على لسان المحللين الإسرائيليين الذين اعتبروا
هذه المناورة السياسية من طرف نتنياهو وشريكه الجديد شاؤول موفاز عنواناً للضعف
وليس القوة، وهو ما جعل العديد من الكتاب اليهود يذهبون إلى أن التحالف الموسع
سيعيق عمل الحكومة وربما يدخلها في مرحلة من الشلل العقيم بعيداً عن أية قدرة على
التحرك سواء لجهة شن حرب في المنطقة، أو التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين. ولعلَّ
التحديات الداخلية التي يواجهها نتنياهو اليوم تجعل من هذا الشلل أمراً مطلوباً
للتهرب من اتخاذ المواقف الحاسمة، فخلال أسابيع قليلة سيكون على الحكومة التعامل
مع قرارين قضائيين يتعين تنفيذهما، الأول مرتبط بقرار يقضي بعدم دستورية إعفاء
اليهود المتدينين من أداء الخدمة العسكرية أسوة بباقي المواطنين الإسرائيليين.
والقرار الثاني ينص على إعطاء الحكومة مهلة حتى شهر يونيو المقبل لإخلاء مستوطنات
غير شرعية في إحدى المناطق الفلسطينية بالضفة الغربية. ومثل هذه القرارات القضائية
ستؤدي إلى تصدع الائتلاف الحكومي، ولاسيما فيما يتصل بالحزب المتطرف الذي يقوده
وزير الخارجية، أفيجدور ليبرمان، الذي هدد بمغادرة الحكومة إن هي لم تنفذ قرار
المحكمة بعدم إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية.
ولكن بإقدام نتنياهو على توسيع الائتلاف الحاكم يكون قد
سحب البساط من تحت أقدام الأطراف السياسية المعارضة له داخل الحكومة، بحيث لا يكون
في مقدورها إسقاطه، وهنا يتضح الهدف من الائتلاف الموسع المتمثل في إنقاذ نتنياهو
سياسيّاً وإطالة أمد بقائه في السلطة، فبدلاً من قيادة الحكومة من خلال اتخاذ
قرارات حاسمة ومواجهة المستوطنين والمتطرفين فضل نتنياهو قبول خط الإنقاذ الذي
منحه موفاز للبقاء لمدة أطول على رأس الحكومة. والأمر نفسه ينطبق على شاؤول موفاز
الذي يواجه حزبه، "كاديما"، تراجعاً كبيراً في استطلاعات الرأي التي
أشارت إلى أن أداءه في الانتخابات البرلمانية سيكون ضعيفاً ولن يحصل فيها على أكثر
من عشرة مقاعد مقارنة بمقاعده الـ28 في البرلمان الحالي، ولذا شكل دخول الحزب في
ائتلاف حكومي مع "الليكود" خياراً أكثر أماناً من مواجهة الهزيمة في
الانتخابات. ومهما كانت قراءة وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، محقة بشأن انتفاء
الحجج التي كان يسوقها نتنياهو للتهرب من استحقاق السلام، تبقى الحقيقة ما ذهب
إليه المعلقون الإسرائيليون الأعلم بمناورات نتنياهو، والذين قرأوا الخطوة الأخيرة
في إطار محاولات نتنياهو تمديد حالة الشلل التي تمكنه من الاستمرار في المماطلة،
ولعلَّ الدليل الأمثل على عدم اهتمام نتنياهو بالسلام اقتراحه إصدار تشريع جديد
يضفي الشرعية على المستوطنات التي قضت المحكمة بعدم شرعيتها، ولذا يجب عدم توقع
الكثير من الحكومة الائتلافية الموسعة سواء لجهة السلام، أو حتى شن الحرب، لأن ما
حركها في الأساس اعتبارات سياسية داخلية تندرج في سياق الصراع على السلطة
والاستمرار فيها.
الاتحاد، أبو ظبي، 13/5/2012
عمان – نادية سعد الدين: شكلت حكومة "الوحدة
الوطنية" الإسرائيلية المشكلة حديثاً ثقلاً انتخابياً متطرفاً، وعززت آمال
الغالبية نحو "أفق سياسي مغلق وتعزيز الاستيطان وتهديد غزة"، مع تلبيد
الأجواء بنذر هجوم وشيك ضد إيران، دون حسم جدية مقاربته.
وارتأى مراقبون تسمية أقوى ائتلاف في مسار الكيان المحتل
"بحكومة التطرف والحرب"، بما يضمّ من رؤى عنصرية توسعية تلتف حول
"ابتلاع الضفة الغربية" و"إسقاط حل الدولتين"، و"مجابهة
الخطر الإيراني الوجودي"، على الكيان الإسرائيلي.
ورغم أن صيغة الائتلاف الموسع، بالمقاعد الـ 94 من
إجمالي 120، أرخت ضغط اللحظة على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأخرجته من حرج
غلبة المعسكر اليميني المتطرف داخل حزبه الليكود بزعامة موشي فيغلين، وعدم الذهاب
لانتخابات مبكرة، ولكنها ألقت محاذير قدرة الفكاك من متغيرات المنطقة.
فبموازاة أزمة علاقاته الدولية، لاسيما الاتحاد
الأوروبي، فإن الاحتلال ما يزال ينظر بقلق وحذر تجاه الثورات العربية، التي أنتجت
حضوراً فاعلاً للحركات الإسلامية في المشهد السياسي العربي، رغم
"تطمينات" بعضها بشأن "معاهدة السلام" (الإخوان المسلمين في
مصر)، و"التطبيع" (حزب النور السلفي).
وقد يشكل ذلك عنصر جنوح حكومة الوحدة الوطنية صوب نزعة
عدوانية، لطالما طبعت ثنايا سلوكها قياساً بنظيراتها السابقة، بما يحمل معه
"نذر تصعيد، ليس ضد إيران فحسب، وإنما مع الفلسطينيين أيضاً"، بحسب عضو
اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير أسعد عبد الرحمن.
وإذا كان الاجتهاد يكتنف تأويل سياسة الاحتلال تجاه
إيران، إلا أن التصعيد في الأراضي المحتلة يعدّ عنوان المرحلة القادمة، بالنسبة
لمراقبين، دون استبعاد "سيناريوهات أخرى أقل ترجيحاً، مثل انجاز نتنياهو تسوية
نهائية مع الفلسطينيين بدعم غربي، ولكنها ستكون أقرب للإملاءات الإسرائيلية
المدعومة غربياً"، وفق عبد الرحمن في حديثه إلى "الغد".
وإزاء توليفة حكومية من جنرالات حرب يتمتعون بما وصفته
حركة الجهاد الإسلامي "بالإجرام الدموي ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية"،
فإن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أمر متوقع.
ويصحب ذلك "توسع استيطاني وانتهاك للقانون الدولي
الإنساني، وتشديد القبضة على الضفة الغربية"، بحسب القيادي البارز في حركة
المقاومة الإسلامية "حماس" أحمد يوسف، الذي لم يستبعد، أيضاً، العدوان
على غزة في ظل اليمينية الإسرائيلية المتطرفة.
وقال لـ "الغد" من الأراضي المحتلة إن
"الجانب الإسرائيلي سيظل يستفيد من حالة الانقسام لإبتلاع الضفة الغربية، حتى
تنتهي إلى "كانتونات" ومعازل تقع تحت حكمه بأشكال مختلفة".
وتابع "قد يضّيق الاحتلال الخناق على الضفة، بحيث
يبقى مشروع السلطة متعثراً، بينما يعطي الانقسام الذرائع لابتلاع الضفة وقتل مشروع
الدولتين، الذي لن يبقى له أثر بعد 3 إلى 5 سنوات في ظل الاستيطان، وسط الضعف
العربي والمتغيرات في المنطقة والانقسام، إذ سيكون الاحتلال سيد الموقف".
ودعا إلى "سرعة انجاز ملف المصالحة والانتقال إلى
تشكيل الحكومة واجراء الانتخابات"، مضيفاً "قد تكون انتخابات حماس
الداخلية أبطأت بعض الشيء تفعيل ملف المصالحة، ولكن مصر تبذل جهوداً حثيثة
لاستعادة زخم اللقاءات وانجاز المصالحة".
وقدّر "باتخاذ فتح لمسألة انتخابات حماس ذريعة لعدم
اتمام المصالحة"، داعياً إياها إلى "تقديم التنازلات وعدم الإصرار على
شروط معينة تجعل من الطرف الآخر يتمترس خلف مواقفه"، معتبراً أن
"التنازلات مطلوبة من الطرفين".
وأمام الفراغ السياسي القائم، ينشط حراك صهيوني لاستدعاء
مشاريع قديمة للتسوية، على غرار مشروع "التقسيم الوظيفي" المستحضر الآن
في الدوائر الأمنية الإسرائيلية ومراكز القرار بعد طرحه قبل 25 سنة تقريباً"،
وفق الخبير في الشؤون الإسرائيلية غازي السعدي.
وبين، في حديثه إلى "الغد"، إن "الاتجاه
الموجود الآن خلف الكواليس يتمثل في تولي مصر قطاع غزة، كما كان عليه الوضع قبل
عدوان 1967، فيما يتم تقاسم الضفة الغربية بين الأطراف الأردنية والفلسطينية
والإسرائيلية، متنقلاً حسب الوظيفة بين الأمن وشؤون السكان ومستلزمات المستوطنات،
على التوالي".
وأوضح بأن "نتنياهو يسعى مع واشنطن لتبني هذا
الطرح، بما يشي بإسقاط "حل الدولتين" من قاموس الحكومة الإسرائيلية،
وانسداد الأفق السياسي"، بينما يتسم حديثهم عن العودة للتفاوض
"بالخداع".
ولا يستقيم نفس المشهد بالنسبة لسياسة الاحتلال تجاه
إيران، إزاء تباين الرأي في الداخل الإسرائيلي بين المحفز للهجوم والمضاد له، أخذا
باعتبارات متداخلة تخص مواقف واشنطن وروسيا والصين، فضلاً عن القوى الموجودة في
المنطقة.
ونشطت مؤخراً بين صفوف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية
انتقادات لنتنياهو، تنقلت بين "الجرّ إلى حرب إقليمية"، وفق الرئيس
السابق لجهاز الأمن الداخلي "الشاباك" يوفال ديسكن، والتشكيك
"بحيازة إيران للأسلحة النووية"، حسب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي
الجنرال بيني غانتز، مقابل مناقضة حديثه عند قول رئيس المخابرات الإسرائيلي
"الموساد" تامير باردو أن "إيران لم تفرض خطراً وجودياً على الدولة
اليهودية، بحسب تعبيره.
وفي إطار مقابلة مع صحيفة "معاريف"
الإسرائيلية عبر موقعها على الانترنت، سخر رئيس الموساد الأسبق مئير داغان من فكرة
الهجوم الإسرائيلي التحسبي بوصفة تصرفاً "متهوّراً وغير مسؤول".
وأرجع مراقبون، مثل باتريك سيل في مقال نشر قبل أيام،
تلك التصريحات إلى "رياح تغيير هبّت على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وأغلبت
الصوت المعتدل"، بحسب رأيهم.
ولكن آخرين لا يحسبون ذلك الموقف ضمن إطار التغيير في ظل
عناصر أمنية متعطشة دوماً للعدوان ضد الشعب الفلسطيني، وإنما يدرجونه ضمن قراءة
المعطيات الراهنة.
إذ يعتقد القيادي في حماس أحمد يوسف بأن "الاحتلال
لن يجرؤ على عمل عسكري ضد إيران، فهو لن يخوض حرباً لوحده، قد يهيىء الأجواء لذلك
ولكنه بدون واشنطن لن يستطيع افتعال معركة قد يخسرها مع إيران".
وقدّر "بامتلاك إيران إمكانات وقدرات هائلة تصل إلى
قلب "تل أبيب"، بما يجعل الاحتلال متحسباً لحجم ضربات وردات فعل قد تفوق
قدرته، كما أن القدرات الصاروخية الإيرانية تردعه عن القيام بتلك الخطوة".
وأردف إن "إيران قادرة على توجيه ضربة قاتلة للكيان
الإسرائيلي، بما تمتلكه من قدرات قد لا يجعلها تحتاج لأي طرف، ولكن دخول أطراف
أخرى المعركة إلى جانبها مسألة تحكمها ظروف ومعطيات وطبيعة المعركة نفسها".الغد،
عمان، 13/5/2012
3.
حكومة حرب في "إسرائيل"
عريب الرنتاوي
للفلسطينيين والعرب تجربة مريرة مع حكومات الوحدة
الوطنية في إسرائيل...هذه المرة، ستكون للإيرانيين كذلك، تجربة قاسية مع
الإسرائيليين “حين يتوحدوا”...أول هذه الحكومات، أنشأها ليفي إشكول، قبل أربعة
أيام من حرب الخامس من حزيران، تلتها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة غولدا مائير في
ذروة حرب الاستنزاف وصعود المقاومة الفلسطينية في العام 1969، وهناك حكومتان على
هذه الشاكلة والطراز، تشكلتا إبان الانتفاضتين الأولى والثانية، أما حكومات
التناوب، التي اتخذت اسم حكومات وحدة وطنية، فقد جاء تشكيلها كنتيجة لعجز أي من
الحزبين الرئيسيين عن تشكيل الحكومة منفرداً، أو بالاعتماد على حلفائه التاريخيين
فقط.
حكومة نتنياهو- موفاز- ليبرمان- باراك، تحظى بغالبية لم
تحظ بها أي حكومة في تاريخ إسرائيل، وفقاً لذاكرة المراقبين والمتابعين، وهي ليست
حكومة الضرورة، فنتنياهو كان يقف على رأس إئتلاف مستقر نسبياً، وكل الاستطلاعات
أعطته تفوقاً في أي انتخابات مبكرة على خصومه وحلفائه...وكان بمقدوره أن يظل على
رأس حكومته السابقة، حتى نهاية ولايتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، لكنه مع ذلك،
آثر أن يأتلف مع موفاز وكاديما، معززاً صورته كـ”ملك إسرائيل”، وهو اللقب الذي لم
يحظ به سوى سلفه أريئيل شارون، الراقد منذ أعوام بين الحياة والموت.
لماذا اختار نتنياهو الذهاب إلى حكومة الوحدة
الوطنية؟...سؤال شغل المراقبين وإن كانوا لم يختلفوا على القول، بأنه حكومة
القرارات الكبرى...حكومة الحرب على إيران وغزو القطاع والعدوان على لبنان....وحدها
السلطة الفلسطينية عبّرت عن “أملها” أو “رهانها” بأن تأتي قرارات هذه الحكومة
الكبرى باتجاه السلام مع الفلسطينيين و”حل الدولتين...مع أن الصراع الفلسطيني
الإسرائيلي لم يستحوذ إلا على مساحة سطرين من البيان الإئتلافي بين الليكود
وكاديما، فيما ذهب البيان بمجمله نحو أولويات أخرى.
نتنياهو الذي نجح في إلزام شركائه على البقاء في الحكومة
حتى أواخر العام المقبل، تواجهه جملة تحديات كبار، منها الضربة ضد المنشآت النووية
الإيرانية، وهو أمرٌ تقترب إسرائيل من القيام به، والرجل يريد أن يوزع “الدم
الإيراني على القبائل الإسرائيلية” مُشركاً أكبر حزب في البلاد، في المغنم
والمغرم...وفي الطريق إلى المفاعلات النووية الإيرانية، لا ضير من التعريج على
القطاع وجنوب لبنان لشلّ اليد والذراع الطويلة.
ونتنياهو مقبل على تمرير تشريعات كبرى، تطال تجنيد
اليهود الأرثوذوكس والعرب، وهذه سيكون دونها “خرط القتاد”، والرجل بحاجة لشبكة
أمان تحميه وتساعده في تمرير قراراته المنتظرة في آب/أغسطس القادم، كما أنه معني
بمواجهة أية استحقاقات قد تترتب على عودة باراك أوباما إلى البيت في إنتخابات
نوفمبر القادم، وهل ثمة أهم وأفضل من “شبكة الأمان” هذه لمواجهة كل هذه التحديات؟.
في الشأن الفلسطيني الذي لم يحظ بأي اهتمام جدي يذكر لا
في مفاوضات الإئتلاف ولا في نص الاتفاق، ورد ما يعيد تأكيد اللاءات الإسرائيلية
المعروفة، وإن بصياغة مبطنة وغير مباشرة، فالتأكيد على يهودية الدولة، يعني لا لحق
العودة للاجئين الفلسطينيين، والتأكيد على الحدود الآمنة التي يمكن الدفاع عنها،
يعني أن لا عودة لخط الرابع من حزيران 1967، وضم القدس (العاصمة الأبدية الموحدة)
والسيطرة على غور الأردن...لا شيء جديد في برنامج الحكومة الجديدة، جديدها قديم، وقديمها
أطاح بعملية السلام وخيار “حل الدولتين”، مرة واحدة وإلى الأبد على ما يبدو.
سنسمع جعجعة عن “ضرورة السلام مع الفلسطينيين”، وسنقرأ
دعوات لـ”أبو مازن” بالذهاب إلى مائدة المفاوضات فوراً ومن دون شروط، وربما يتولى
“الحمائمي/الوسطي”، شاؤول موفاز فتح قناة سرية للتفاوض مع السلطة، وسيجد على الطرف
الآخر عشرات المتطوعين بانتظاره هناك، وبشتى الحجج والذرائع، وسيساعد على ذلك،
تفكيك بؤرة استيطانية هنا أو منع قيام بؤرة هناك...كل هذا سيحصل، ولكنه سيكون
بمثابة قنابل دخانية للتعمية والتمويه على جوهر السياسات الاستيطانية /
الاستعمارية / العدوانية التي توحدت أحزاب إسرائيل لإنفاذها، على المستوى
الفلسطيني الخاص والإقليمي الأوسع.
على العرب والفلسطينيين والإيرانيين أن يقلقوا تماماً،
بل وأن يعلنوا حالة التأهب والاستنفار...حكومة الحرب الإسرائيلية لن تجلب السلام
والاستقرار لهم...عليهم أن يفعلوا ذلك بدل إضاعة الوقت في “الرهان” على كاديما
وخليفة إيهود أولمرت وتسيبي ليفني....عليهم أن يفعلوا ذلك، بدل التفكير المريض في
“توظيف التطرف الإسرائيلي” لتصفية الحساب مع إيران وحلفائها....عليهم أن ينزعوا
فتائل التفجير في العلاقات العربية الإيرانية، وهي مسؤولية تقع على عاتق طهران
والرياض وبغداد والقاهرة ودمشق، الآن وقبل فوات الأوان.
لكن المؤسف أن بعض العرب، لا يبدي إكتراثا بما يمكن أن
تفعله هذه الحكومة ضد فلسطين ولبنان، طالما أنها ستذهب إلى السلاح في تعاملها مع
إيران...لا بل إن بعضهم قد “تُطربه” أنغام الحرب على إيران، وقرع طبولها الذي بدأ
مبكراً، وأخذ بالتسارع في الآونة الأخيرة، وسيتسارع قريباً مع وجود “عصابة
الأربعة” على رأس الحكم في الدولة العبرية...ألم يقل نتنياهو أن “إيران” هي عدوة
العرب والإسرائيليين معاً وبالقدر ذاته، وأن مواجهتها ممكنة بتشكيل جبهة متحدة تضع
هذه الأطراف جميعاً في خندق واحد؟...في هذه النقطة، وفي هذه النقطة بالذات، صدق
نتنياهو.
لكن الحرب، خصوصاً حين تكون ضد إيران، ليست أبداً نزهة
قصيرة...نتنياهو يستطيع أن يعرف متى يشعل فتيلها، لكن هيهات له أن يعرف متى ستنتهي
وما هي الساحات والميادين التي ستمتد عليها، وأية أسلحة دمار ستستخدم فيها،
والأهم، أية نتائج وتداعيات ستترتب عليها...هذه أسئلة مفتوحة، لم يجب عليها بيان
نتنياهو – موفاز الأخير، وسيظل سيناريو اليوم التالي للضربة العسكرية الإسرائيلية
لإيران، لغزاً محيّرا للمراقبين، إلى أن تقع الحرب، وهي قد لا تكون بعيدة على أية
حال.
الدستور، عمّان، 10/5/2012
حكومة وحدة عدوانية
برهوم جرايسي
تسارعت الأحداث في الحلبة السياسية في إسرائيل في
الأسبوعين الأخيرين، وحتى الذروة مساء أمس الأربعاء بانضمام حزب "كديما"
رسميا إلى حكومة بنيامين نتنياهو، لتصبح أوسع حكومة في اسرائيل منذ العام 1988.
وهذا التسارع يعكس حجم حالة التخبط في المؤسسة الإسرائيلية وهي تقترب إلى مفترق
مصيري، يطالبها بمواجهة أزمات تؤجل حلها منذ سنين. ولكن الأهم أن أجندة هذه
الحكومة تسجل ذروة جديدة في خطورتها تجاه الصراع، وفلسطينيي 48 على وجه الخصوص.
لم يحدث في تاريخ السياسة الإسرائيلية مثيل لما حدث ليلة
الاثنين/ الثلاثاء من هذا الأسبوع. فالحكومة كانت تنتظر التصويت الأخير لحل
الكنيست والتوجه إلى انتخابات، ولكن كما قيل هنا في الأسبوع الماضي، فإنها
انتخابات لم يرغب بها أحد، إن كان الائتلاف الحاكم المتين أو المعارضة. إذ حاول
الائتلاف الهرب من معالجة أزمات حادة، ولكنه كان على يقين بأن كل ما سيفعله في
انتخابات كهذه هو نقل هذه الأزمات إلى الحكومة المقبلة.وفي الظاهر، يكثر الحديث
وكأن الأزمة الأشد التي تواجه الحكومة هي مسألة تجنيد الشبان الأصوليين اليهود؛ إذ
ينتهي مفعول القانون الذي يعفيهم من الخدمة بعد أقل من ثلاثة أشهر. ولكن الأزمة
الأعمق بكثير على المستوى الاستراتيجي، هي أزمة استقرار الحكم، ومسألة التعامل مع
فلسطينيي 48. وبنفس القدر من الأهمية، انتهاز فرصة الأوضاع العالمية والإقليمية من
أجل ضمان بقاء الاستيطان بكافة تسمياته في الضفة الغربية والقدس، وتجاوز قرارات
المحكمة العليا التي قضت باخلاء أجزاء من بعض البؤر الاستيطانية. ففي مسألة
التجنيد الإلزامي للجنود الأصوليين في جيش الاحتلال، أعلنت الحكومة الجديدة أنها
ستسن قانونا يلزم الشبان الأصوليين بتأدية خدمة بديلة. ولكنها تنوي أيضا فرض مثل
هذه الخدمة على فلسطينيي 48. وكل من القطاعين يرفض من منطلقاته هذه الخدمة.ولكن
على أرض الواقع فإنه من المستبعد أن نرى قريبا تطبيقا كليا لقانون كهذا، لأن هذا
عمليا سيكون إعلان حرب من المؤسسة الحاكمة على الأصوليين اليهود الذين يرفضون من
حيث المبدأ هذه الخدمة، من منطلقات دينية رغم توجهاتهم السياسية اليمينية. وحال
التصدي ستكون أشد من جهة فلسطينيي 48. ولهذا، فمن المتوقع أن تقر الحكومة تطبيقا
تدريجيا على مدى سنوات طوال، وبصيغة توافقية مع الأصوليين.كما ستسعى الحكومة إلى
تغيير طريقة الانتخابات، وبالتالي تغيير نظام الحكم. والهدف المعلن سيكون البحث عن
وسائل لاستقرار الحكم في إسرائيل، التي لم تجر فيها انتخابات برلمانية في موعدها
إلا خمس مرات على مدى 64 عاما.
والحلول المطروحة ستوجه ضربة للأحزاب الصغيرة وحتى
المتوسطة من حيث حجمها البرلماني، إلا أن العقبة التي ستواجهها هذه الحكومة هي أن
تلك الأحزاب تمثل قطاعات مختلفة من المجتمع اليهودي، من متدينين ومهاجرين وطوائف.
وبهذا، فإن تغييب تمثيلها كأحزاب في البرلمان سيفجر أزمة في داخل المجتمع
الإسرائيلي.إلى ذلك، فإن هذا القانون يستهدف أيضا، وبشكل خاص، فلسطينيي 48.
فكلما زاد وزنهم الانتخابي زادت الأزمات الائتلافية في
إسرائيل، كونهم بطبيعة الحال يرفضون كليا المشاركة في الحكومات الإسرائيلية.
ولهذا، فإن مواصفات القانون ستعمل أيضا على تقليص تمثيلهم بشكل مصطنع.هذا بشأن ما
هو معلن حتى الآن، ولكن ما هو ليس معلنا أشد خطورة.
فهذه الحكومة بقاعدتها العريضة جدا، ستسعى إلى تنفيذ
مشروعين خطرين؛ أولهما إنهاء "إشكالية" البؤر الاستيطانية، وسن تشريعات
وإجراءات تتفادى قرارات المحاكم الإسرائيلية في سبيل الاستمرار في عملية تثبيت هذه
البؤر وتحويلها إلى مستوطنات ثابتة وتوسيعها.
والمشروع الثاني، هو تنفيذ مخطط جاهز يقضي بسلب نصف
مليون دونم في صحراء النقب بملكية فلسطينيي 48، وتهجير 30 ألفا منهم، واقتلاع
عشرات القرى التي ترفض إسرائيل الاعتراف بوجودها على الأرض.هذه حكومة شرسة، ستعمل
على وضع أسس لمرحلة جديدة في إسرائيل أشد شراسة وعدوانية. وليس من المستبعد أن هذه
الحكومة ستوحد في نهاية المطاف حزبي الليكود وكديما، خاصة وأن الثاني منسلخ عن
الأول، والفوارق السياسية بينهما هامشية. وفي حال تحقق هذا، فإنه سيغير كليا
المشهد السياسي الإسرائيلي القائم في العقدين الأخيرين، خدمة لعقلية العسكرة
والاستيطان.
الغد، عمّان، 10/5/2012
0 comments: