Saturday, September 8, 2012


تحليلات اخبارية


تداعيات الأزمة السوريّة والخيارات المستحيلة
Friday, September 07, 2012 - 11:01 PM
نزار عبد القادر



في معرض ندوة دولية عقدت في الأردن بتاريخ 27 نيسان عام 2011 أتيحت لي مع آخرين فرصة محاورة العاهل الأردني عبدالله الثاني حول التطورات التي شهدتها بعض الدول العربية في ما بات يعرف بالربيع العربي. وكانت ما زالت الأحداث في سوريا مقتصرة على مظاهرات سلمية تشهدها مدينة درعا، دون سواها. 
سألت العاهل الأردني عن توقعاته لتداعيات الأحداث في سوريا على كل من الأردن ولبنان، في ظل ما هو متوقع ان تشهده من تطورات دراماتيكية. وكان فحوى الردّ على سؤالي بتوقع حدوث تساقطات جراء الأحداث في سوريا على الأردن ولبنان، وبأن مفاعيلها لن تتعدّى قدرات الأردن على احتوائها، في الوقت الذي سيكون من الصعب جداً على لبنان احتواء مفاعيلها، وذلك بسبب هشاشة الوضع السياسي الداخلي والانقسام الحاصل في المجتمع اللبناني حول ما يجري في سوريا. 
حضرني جواب ردّ الملك الأردني مرتين: المرة الأولى، قبل أسبوعين على أثر تصريح الرئيس ميشال سليمان بأنه ينتظر اتصالاً من الرئيس الأسد ليشرح له ملابسات نقل الوزير السابق ميشال سماحة لـ25 شحنة متفجّرة، وتسليمها لعميل محلي لتفجيرها في شمال لبنان. والمرة الثانية يوم الخميس الماضي في 6 أيلول 2012 على أثر قراءتي لمقابلة الرئيس نجيب ميقاتي مع وكالة «رويترز»، والتي قال فيها «ان وضعنا الأمني والسياسي والجغرافي يجعلنا في موقف دقيق حيال ما يجري في سوريا». 
واعتبر بأن «التصدّي لهذا الأمر يتم بوطنيتنا وتماسكنا ضد استيراد الأزمة». واضاف: فالخطر لن يستثني أحداً... كلنا في باخرة واحدة. 
يأتي تقدير لبنان الرسمي، ومن قبل رئيسي الجمهورية والحكومة للتهديدات والأخطار التي يواجهها لبنان جراء تفاقم الأزمة السورية متأخراً عن الحوار مع العاهل الأردني بفترة زمنية تقارب سنة ونصف السنة، اعتمد خلالها المسؤولون اللبنانيون سياسة النعامة والتكاذب والمحاباة، الى حين ظهور المخطط السوري الهادف الى تصدير الأزمة السورية الى لبنان ولأسباب تخدم مصالحه في لبنان ومع القوى الدولية النافذة. تتركز الأهداف السورية هذه على حاجة سوريا لإحياء دورها القديم كضامن للاستقرار في لبنان، وتصفية حساباته مع قوى 14 آذار الداعمة للمعارضة السورية، وأيضاً من أجل دعم مقولته بوجود مؤامرة ارهابية تستهدف النظام، وبأن لبنان يصدّر الارهابيين والسلاح لتنفيذ هذه المؤامرة. 
ترتبط جميع الأحداث والأزمات السياسية والأمنية التي شهدها لبنان منذ تشكيل حكومة ميقاتي بالتطورات الجارية في سوريا، وتقتضي الواقعية السياسية ربط كل ما شهده لبنان من أحداث منذ شباط 2005 بالدور السوري بلبنان (المباشر او عبر الحلفاء)، وذلك ضمن جهوده للحفاظ على نفوذه، والايقاع بأعدائه في حركة 14 آذار. 
كان النظام السوري قد عبّر خلال السنة الأولى من الأزمة عن رضاه لوجود حكومة حليفة في بيروت، وذلك بالرغم من اعلان هذه الحكومة سياسة «النأي بالنفس»، لكن مع اشتداد الضغوط الداخلية والخارجية، فقد شعر هذا النظام بحاجة ماسّة لمساعدة فعلية تأتيه من لبنان لدعم مقولة «المؤامرة الارهابية» وقدّم له حلفاؤه من اللبنانيين ما طلبه من حجج ومعلومات لرفع شكوى الى مجلس الأمن ضد لبنان. وجاء ردّ الفعل اللبناني ضعيفاً، ويفتقد لوحدة الموقف السياسي، كما اتخذ الطابع الاعتذاري، مع التزام مجلس الوزراء بالصمت. 
لن نعدّد الاعتداءات المتنوعة والمتكررة التي تعرّض لها لبنان، والتي شملت عمليات: خطف لمواطنين لبنانيين وسوريين، اعتداءات وخروقات متكررة للحدود، قصف ورمايات وقتل مواطنين عبر الحدود، وضع مخطط ارهابي يقوده الوزير السابق سماحة يقضي باغتيال شخصيات سياسية وتنفيذ تفجيرات لتجمعات شعبية. 
وعندما انكشف المخطط الارهابي وضلوع رئيس جهاز الأمن السوري اللواء علي المملوك في الاعداد له، طبّقت أجهزة الأمن السورية المخطط «ب» والذي يقضي باثارة أجواء من الفوضى وخطف المواطنين السوريين والأتراك في لبنان، وافتعال سلسلة من الأحداث المخلّة بالأمن والاستقرار من أجل التغطية على المؤامرة الارهابية اعلامياً وأمنياً. 
يشكّل اللاجئون السوريون الى لبنان وجهاً من وجوه التداعيات المباشرة للازمة السورية. تتحدث المعلومات المتوافرة عن لجوء 120 ألفاً الى لبنان، من بينهم 60 ألفاً هم بحاجة للمساعدة، في الوقت الذي بلغ فيه عدد المسجلين 40 ألفاً. هناك معضلة ذات وجهين: احدها أمني والآخر انساني، وقد نتج هذا الأخير عن تلكؤ الحكومة اللبنانية ونصف اللبنانيين عن القيام بما تفرضه عليهم العلاقات الخاصة بين الشعبين الشقيقين. ويطرح هذا التلكؤ تساؤلات حول طبيعة «العلاقات المميزة»، وهل هي بين اللبنانيين وبين النظام السوري، أم انها علاقات متأصّلة وعميقة الجذور بين الشعبين. 
لا يمكن تقييم تداعيات الأزمة السورية على أمن واستقرار لبنان في ظل الانقسام السياسي والشعبي الحاصل، بشكل موضوعي، قبل توفّر المؤشرات التي تظهر المسار العام للأزمة، وانه ما زال من المبكّر تحديد السيناريو المحتمل حدوثه، وبالتالي محاولة استقرار تداعياته على الوضعين السياسي والأمني في لبنان. يمكن في هذا الاطار تصوّر ثلاثة سيناريوهات للأزمة: 
الأول، استمرار المواجهات والعنف بحيث يأخذ الصراع بين النظام والمعارضة طابع الحرب الطويلة المتوسطة أو المتدنية الحدّة، والثاني، سقوط النظام خلال فترة ستة أشهر، ونشوء حالة من الفوضى، في ظل تفتت وشلل مؤسسات الدولة وغياب وجود حكومة انتقالية تمثل كل أطياف المعارضة وقادرة على اتخاذ قرارات حاسمة لضبط الوضع. والثالث الدخول في حرب طويلة بالوكالة، بعد انسحاب النظام من دمشق الى الساحل السوري والمنطقة العلوية، وقد يترافق ذلك مع بذل ايران لجهود كبيرة للحفاظ على نفوذها في لبنان، وبالتالي تحديد خسائرها الناتجة عن الانهيار الحاصل في سوريا. ما زال من الصعب والمبكّر استقراء السيناريو الأكثر احتمالاً، من أجل وضع جدول بمختلف التداعيات والاخطار التي يمكن ان يواجهها لبنان. 
لكن لا تمنع صعوبة الاستدلال على السيناريو الأكثر احتمالاً من وضع مجموعة من التوقعات حول التداعيات المباشرة التي يمكن ان تصيب لبنان، ويمكن ايجازها على الشكل الآتي: 
أولاً: هناك امكانية ان يتسبب تفاقم الأزمة السورية باهتزازات سياسية وأمنية قد تعطّل عملية إجراء الانتخابات النيابية في ايار 2013. 
ثانياً: يمكن أن تلجأ سوريا وحلفاؤها من اللبنانيين الى الاقتصاص من رئيس الجمهورية بسبب مواقفه السيادية، وطلبه لتفسيرات الجانب السوري للتجاوزات والخروقات الحاصلة، وذلك عن طريق مقاطعته وعدم الاتصال والتعامل معه، بما يضعف دوره كرئيس للبلاد، وبما ينعكس سلباً على أداء الأجهزة الأمنية والقوى العسكرية. 
ثالثاً: هناك احتمال أن يتفجّر الخلاف الداخلي، وان تشتدّ التجاذبات في الشارع حول سلاح المقاومة، وانتشاره في الداخل، وانشاء خلايا خارج المناطق التقليدية لتواجد حزب الله. 
رابعاً: تجدّد الأحداث الأمنية التي شهدتها طرابلس وبيروت وصيدا ومناطق أخرى وتوسّع رقعتها، وارتفاع منسوب العنف فيها، من أجل تعجيز القوى الأمنية. 
خامساً: يبقى الخيار الأخطر في امكانية حدوث حرب اسرائيلية على لبنان جراء تحرّش سوري مباشر أو بالواسطة، او جراء قيام اسرائيل بعملية وقائية ضد حزب الله، او اندلاع الحرب كنتيجة حتمية لتعرّض ايران لهجوم اسرائيلي. 
يبقى السؤال مطروحاً حول الاستراتيجية التي يمكن ان يعتمدها حزب الله وايران في ردودهما على فقدان النظام السوري لمناعته، وظهور احتمال تصدّعه وسقوطه؟ 
يبقى الخطر الأكبر متركزاً على قدرة لبنان للتماسك ومواجهة مثل هذه التداعيات في ظل استمرار الحكومة الراهنة، المفككة والعاجزة عن اتخاذ القرارات الحاسمة، تتضخم المخاوف في ظل الفشل السياسي والأمني والذي أظهرته الحكومة من خلال تحميلها للجيش متفرّداً مسؤولية الحفاظ على الأمن الوطني، دون اي غطاء سياسي، وذلك بدءاً من طرابلس وعكار ووصولاً الى كل المناطق اللبنانية. 
نزار عبد القادر 
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: