من بنك الاهداف الى بان كي مون
أمير أورن
توجد طريقتان للفحص عن مبلغ نجاح عملية 'عمود السحاب' نقطية وشاملة. كان اجراء بدء العملية تخصصيا بصورة ممتازة. فالمعلومات الاستخبارية والتخطيط والتنفيذ والقيادة والسيطرة؛ فيها كلها يستحق الجيش الاسرائيلي والأذرع الاخرى من المجموعة الامنية درجة عالية جدا. وكان التأليف بين هيئة القيادة العامة وشعبة الاستخبارات العسكرية وقيادة الجنوب وسلاح الجو و'الشباك' حتى الآن ناجحا جدا.
بيد انه برغم ضرورية هذه الزاوية فانها زاوية ضيقة جدا للنظر الى الواقع. ان الخطة التي اقترحتها الاستخبارات الصربية ونفذها المغتال غبريلو برينتسيب، لقتل الأرشيدوق فرانتس فردناند تحققت بصورة رائعة. لكن ما جاء بعد ذلك، وأعني الحرب العالمية الاولى وانهيار النظام القديم، كان أقل توقعا. نجحت العملية الجراحية ومات العالم.
تُحجم اسرائيل عن حلول أساسية، فهي تريد فقط ان تكسب زمنا ثم تضيعه. وفي هذه المرة ايضا كما في المرة السابقة قبل اربع سنوات لم تأخذ من حماس وشريكاتها المسدس بل المشط فقط. فحينما يكون الهدف المعلن هو الهدوء من غير استغلال هذا الهدوء للتقدم تكون النتيجة زيادة القوة. في المرة التالية سيأتي العدو أقوى مما كان قادرا على اطلاق الصواريخ أبعد. في كل عملية تعمل اسرائيل على رد العداد الى الصفر والى ان تأتي العملية القادمة يرتفع السعر.
لا يجدر الاستهانة بمعنى اطلاق صواريخ على منطقة تل ابيب ومنطقة القدس. فمنذ 1948 لم تنجح أية دولة عربية سوى العراق في 1991 أو لم تتجرأ على فعل ما فعلته حماس والجهاد الاسلامي الفلسطيني هذا اذا استثنينا قذيفة 'لونغ توم' اردنية في ميدان مساريك في حرب الايام الستة، وبقيت تل ابيب برغم تعرضها للهجمات الجوية والمدفعية ولتهديدات جمال عبد الناصر باطلاق صواريخ 'من جنوب بيروت'، بقيت رمزا لدولة اليهود ومنيعة. ان ما أراده عبد الناصر وفعله صدام حسين نجح فيه الفلسطينيون الآن الذين تغلبوا على العزلة والدونية وأحسنوا الاعتماد على حلفهم مع الايرانيين والسوريين واللبنانيين. وفي المنافسة الداخلية بين أعداء اسرائيل استطاعوا ان يحطموا حتى الرقم القياسي لحزب الله في 2006.
لا يهم هل سقط الصاروخ في البحر أو في بات يام، أو في حديقة أو في رمات غان. ان المهم من جهة نفسية هو ان الحاجز الوهمي قد تم اختراقه؛ وفي حرب الاستنزاف يولى العامل النفسي أهمية كبيرة وبخاصة فيما يتعلق بالسكان المترددين بين الأمل واليأس. فيوجد اذا في نظر الفلسطينيين المتطرفين وأنصارهم ما يتوقعونه وهو زيادة الدقة وتطوير منظومات السلاح ورؤوس صواريخ أشد فتكا وربما مواد قتال كيماوية وبيولوجية ايضا.
ان توسيع اطلاق الصواريخ الى منطقتي بدالتي 03 و 02 هي اختراق مجال بحسب المصطلحات المستعملة في الجيش الاسرائيلي. فمنذ الآن يتوجب استعداد مختلف. فيُحتاج الى عدد أكبر من بطاريات 'القبة الحديدية'، والى جزء آخر من ميزانية الدفاع (أو زيادة التعلق بالمساعدة الامريكية) والى ان تتحقق الخطط ستوجد حيرة أشد مما كانت في الماضي في انه من يُفضَل من المواطنين ومن يتم التخلي عنهم.
ان العمل العسكري لمواجهة المنظمات المعادية وقادتها صحيح لكنه عقيم ما بقي مقطوعا عن سياق واسع لهدف وطني. ان اسرائيل تهرب من الحاجة الى ان تحدد لنفسها الى أين تريد ان تصل، ولهذا تدور في دوائر مرهقة تُعيدها الى نقطة الانطلاق.
ان 'صفقة قنديل'، وهي تسوية مصالحة بوساطة رئيس وزراء مصر، هشام قنديل، الذي زار غزة أول أمس، لم تتحقق بعد لكن هذا هو الاتجاه الصحيح. ويجدر ان نستغل ايضا زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بعد غد، بل ان نتجرأ على الطموح الى أكثر من ذلك، الى نسخة جديدة من مؤتمر كامب ديفيد مع المضيف براك اوباما وبمشاركة رئيس مصر محمد مرسي وعبد الله ملك الاردن (اذا بقي حتى ذلك الحين)؛ ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس وزراء اسرائيل بشرط ان يُنتخب لهذا المنصب سياسي ذو رؤيا وجُرأة.
ان صواريخ 'عاصفة الصحراء' وهي العملية العسكرية الامريكية في العراق في 1991 دفعت رئيس وزراء من الليكود الى مؤتمر مدريد والى خسارة في الانتخابات. اذا كانت لصواريخ 'عمود السحاب' نتيجة مشابهة سياسية (في الداخل والخارج) فستكون غزة قد أنتجت شيئا حلوا.
هآرتس 18/11/2012
0 comments: