الناصرة - زهير
أندراوس: قالت دراسة إسرائيلية صادرة عن مركز بيغن - السادات في تل أبيب حول
الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، إن التغييرات في المنطقة
تُلزم إدارة أوباما على اتخاذ بعض القرارات الصعبة بشأن كيفية التصرف بالنسبة لمصر
وسورية والفلسطينيين وإيران، كما أنه يتحتم عليها أنْ تكون حذرة في كيفية تعاملها
مع الحكومة المصرية، ومع دعمها للمعارضة السورية، ولكن برأي معد الدراسة، د.
ميخائيل مايكوفيبسكي، فإن الأهم من ذلك، أن السيناريوهات الأكثر تشاؤما حول ولاية
أوباما الثانية والقائلة إنها سوف تتخلى عن إسرائيل لا مبرر لها، على حد تعبيره.
وساق الباحث
قائلاً إن العديدين يسارعون إلى القول إن الولايات المتحدة سوف تركز على أقل الشرق
الأوسط خلال المدة المقبلة، ويُضيفون أنه بحلول عام 2020 ستكون المنتج الأكبر في
العالم للنفط، ويضيفون أن الولايات المتحدة هي الآن أكثر قلقا مع التركيز على
الشرق الأوسط وتطوير العلاقات في آسيا، ولكن الحال هو ليس كذلك، الولايات المتحدة
لا تزال تستثمر في الشرق الأوسط، لافتًا إلى أنه حتى لو أصبحت المصدر الأول للنفط
صافي، فإنها تعتبر التدفق الحر للنفط من الشرق الأوسط جزءا لا يتجزأ من دورها كقوة
عظمى، وتضمن عدم وجود أي اضطرابات في الاقتصاد العالمي الذي لا غنى عنها بالنسبة
للاقتصاد الأمريكي، كذلك فإن الإدارة لا تزال ملتزمة بإسرائيل، الحليف الأقوى في
المنطقة، أما ما هو متروك للنقاش هو كيفية اقتراب الولايات المتحدة من التغييرات
الجذرية والتهديدات الناشئة في المنطقة، وتحديدً في ا مصر وسورية والفلسطينيين،
وإيران.
وبرأي الباحث،
فإن مصر هي قضية معقدة لإدارة أوباما، وذلك أساسا بسبب 1.2 مليار دولار من
المساعدات العسكرية السنوية ومبلغ 450 مليون مساعدات اقتصادية حيث يخشى الكونغرس
إنْ تتحول هذه المساعدات إلى عسكرية من قبل المصريين، لعدم وجود ثبات في توجهات
النظام الجديد، ذلك أن الاشتباكات الأخيرة بين مؤيدي ومعارضي الرئيس محمد مرسي
أقلقت أمريكا جدًا في ما يتعلق بالديمقراطية في مصر، وبالتالي فإن هذا التطورات من
شأنها دفع الكونغرس إلى التردد في نقل المساعدات لمصر، كما أن الكونغرس يريد أنْ
يرى ما هو الدور الذي يقوم فيه الجيش، لافتًا إلى أن قسمًا من المساعدات الأمريكية
سيُخصص لمكافحة الإرهاب، على حد قوله. أما في ما يتعلق بسورية، فقالت الدراسة أن
الصراع السوري يهدد بزعزعة استقرار المنطقة ويمكن أن يدفع الشرق الأوسط إلى حرب
بين السنة والشيعة، ومع ذلك، فإنه من غير المرجح أنْ يقوم الرئيس أوباما بإرسال
قوات أمريكية للتدخل في سورية، كما أن على الإدارة الأمريكية الحصول على مزيد من
التقارير الموثوقة عن الفظائع التي ارتكبها النظام ضد شعبه لضمان تعزيز الإدارة
لدعمها للمعارضة السورية، مشيرًا إلى أن ما ينبغي القيام به هو التشديد على مطلب
التنسيق بين قادة المعارضة السورية الذين يحصلون على الأسلحة، فضلا عن الإصرار وضع
التسلسل الهرمي داخل الجيش السوري الحر، كما قالت الدراسة.
علاوة على ذلك،
تطرق الباحث الإسرائيلي إلى القضية الفلسطينية وقال في هذا السياق إنه في الشأن
الفلسطينيين، فإن سياسة الولايات المتحدة لن تكون نحو التصادم مع إسرائيل، لافتًا
إلى أن اليسار الإسرائيلي يعتقد خطأ أن فترة الولاية الثانية للرئيس أوباما ستتسم
بعدم الخوف من إسرائيل ومن اللوبيات الصهيونية، لأنه لن يحتاج إليهم، ذلك أنه لن
ينتخب مرة أخرى. وبرأيه فإن التاريخ يبين أن الرئيس في الولاية الثانية قادر على
تعزيز رصيده السياسي، كما كان الحال خلال فترة الولاية الثانية للرئيس السابق،
جورج دبليو بوش. وبرأيه، فإن إدارة أوباما ستختار بعناية فائقة كيفية التعامل مع
إسرائيل، لافتًا إلى أن الأحدايث عن أن أوباما سينتقم من رئيس الوزراء الإسرائيلي،
بنيامين نتنياهو، بسبب تدخل الأخير في المعركة لصالح ميث رومني، غير وارد بالمرة،
ذلك أن الرئيس الأمريكي على علم وعلى دراية بأنه سيحتاج لإسرائيل من أجل حل
المشكلة النووية الإيرانية. مضافًا إلى ما ذُكر أعلاه، قال الباحث الإسرائيلي إن
الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق العارم من إمكانية انهيار السلطة الفلسطينية،
خصوصًا وأن لهذا الانهيار ستكون تداعيات سلبية على الأردن، من بينها زيادة حالة
عدم الاستقرار في المملكة الهاشمية. إسرائيل من ناحيتها، قالت الدراسة، تعتقد أن
لديها مصلحة عميقة في أنْ لا تنهار السلطة الفلسطينية، لأن هذا سيؤدي إلى مزيد من
التطرف في الشارع الفلسطيني، ورئيس الوزراء نتنياهو يُشاطر الأمريكيين الرأي في
هذه المسألة، علاوة على ذلك، قال الباحث إن واشنطن ترى أيضًا (الربيع العربي) بشكل
مختلف عن إسرائيل، ففي حين أن إسرائيل تحاول اجتياز العاصفة، فإن الولايات المتحدة
ترى أن إسرائيل بحاجة للاعتراف بالتغييرات الأخيرة والتعامل معها أكثر وجهًا لوجه،
وتحديدًا تشعر واشنطن أن المأزق المستمر بين الإسرائيليين والفلسطينيين يُغذي
التطرف الإقليمي العربي، قالت الدراسة.
أما في ما
يتعلق بإيران، فرأت الدراسة الإسرائيلية أنها بطبيعة الحال القضية الأكبر،
فالعقوبات الاقتصادية المفروضة الآن على الجمهورية الإسلامية لها تأثير، ولكنها لن
تتمكن من وقف البرنامج النووي، وبحلول نهاية عام 2013 فإن الولايات المتحدة لمن
تعد قادرة على القول إن إيران ليس لديها ما يكفي من المواد لإنتاج القنبلة،
وبالتالي يتعين على الولايات المتحدة مطالبة الوضوح من طهران في ما يتعلق بنواياها
في معالجة المواد النووية التي باتت في حوزتها، مشيرةً إلى أنه في الأشهر القليلة
الأولى من إدارته، على أوباما أن يسعى لتوضيح هذه المسألة والقيام بمحاولة
دبلوماسية أخيرة من خلال طرح عرض من شأنه أن يكون واضحًا للشعب الأمريكي وحلفائه
أن الولايات المتحدة تبذل جهودًا بحسن نية لحل المشكلة، وبالمقابل، سوف يطلب
أوباما من إسرائيل عدم مهاجمة إيران حتى استنفاذ الفرصة الدبلوماسية الأخيرة، بحيث
يمكنها على الأقل الإدعاء بأنها حاولت حل المشكلة مع إيران بدون اللجوء إلى الخيار
العسكري، ولكنها فشلت لرفض الإيرانيين، وخلصت الدراسة إلى القول إن الرئيس أوباما
يعرف أنه إذا حصلت إيران على القنبلة النووية سيكون بمثابة تدمير لمصداقية
الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بالنظر إلى أن الإدارات الأمريكية الأخرى أعلنت
أن حصول إيران على النووي هو خط أحمر لا يُمكن تجاوزه، وهذا أخر شيء يريده أوباما،
على حد تعبير الدراسة الإسرائيلية.
القدس العربي،
لندن، 24/12/2012
غزة - الحياة: قالت حكومة غزة إن خسائر قطاع غزة المادية نتيجة العدوان الأخير
الذي شنّته إسرائيل في 14 من تشرين الثاني (نوفمبر) واستمر ثمانية أيام، بلغت
بليوناً و200 مليون دولار.
جاء ذلك خلال عرض قدمه مسؤولو لجان فنية مختصة شكّلتها الحكومة لرصد حجم
خسائر العدوان على الصعد التجارية والصناعية والزراعية والصحية والبنية التحتية
والتعليمية والإعلامية. وقال المدير العام للإدارة العامة للصناعة عبد الفتاح أبو
موسى خلال مؤتمر صحافي نظمته الحكومة في غزة إن خسائر قطاعي التجارة والصناعة بلغت
213 مليون دولار. وأضاف أن خسائر القطاع الصناعي المباشرة بلغت 40 مليون دولار،
فيما بلغت خسائره غير المباشرة 22 مليون دولار، ووصلت خسائر الفرصة البديلة إلى
28,5 مليون دولار، ليكون إجمالي خسائر هذا القطاع 122.5 مليون دولار.
وأشار الى أن خسائر القطاع التجاري المباشرة بلغت 18 مليون دولار، فيما
بلغت خسائره غير المباشرة 11,5 مليون دولار، ووصلت خسائر الفرصة البديلة إلى 93
مليون دولار، ليكون إجمالي خسائر هذا القطاع 90,5 مليون دولار.
بدوره، قال الناطق باسم وزارة الصحة أشرف القدرة ان خسائر الخدمات الطبية
35 مليون دولار، إضافة إلى الاحتياجات العاجلة الصحية والطارئة للقطاع الصحي. وأضاف
ان عدد الشهداء الذين سقطوا خلال الأيام الثمانية بلغ 184 شهيداً، وأصيب 1399
آخرون.
أما في قطاع النقل والمواصلات، فأوضح الناطق الإعلامي باسم وزارة النقل
والمواصلات خليل الزيان أن إجمالي خسائر وزارته بلغت نحو 3 مليون دولار.
وبلغت الخسائر الزراعية المباشرة وغير المباشرة للقطاع حتى الآن نحو 93
مليون دولار، منها نحو 20.6 مليون دولار خسائر مباشرة، و23 مليون خسارة ناجمة عن
تدهور التربة وعدم تجانسها لمساحة 20 ألف دونم في المنطقة الحدودية، إضافة إلى 50
مليون دولار خسائر غير مباشرة.
وقال وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان المساعد ياسر الشنطي إنّ خسائر
قطاع الأشغال والإسكان، قدّرت بـ 71 مليون دولار. وأعلنت وزارة الحكم المحلي
والهيئات المحلية عن تعرضها ومرافقها ومشاريعها المختلفة لأضرار جسيمة، وبلغت
خسائر البلديات 7 ملايين دولار.
الحياة، لندن، 24/12/2012
سلامة كيلة
ما هو وضع الدولة الصهيونية في الوضع العالمي الذي يتشكل؟ وفي التحولات
التي تجري فيه؟ وأيضاً في ظل انفجار الثورات في الوطن العربي، وربما في العالم؟
الفارق بين الدولة الصهيونية والدول "الطبيعية" هي أنها تشكلت كقاعدة
عسكرية إمبريالية في مواجهة المنطقة، ولكنها تشكلت على صيغة دولة ومجتمع. بمعنى أن
المجتمع والدولة هما الغطاء على "الوجود الفعلي" لقاعدة عسكرية. لكن
هذين الأمرين، القاعدة العسكرية وتشكيل المجتمع، جعلاها في وضع "غير
طبيعي"، حيث إنها تحتاج إلى ضخ مليارات الدولارات من أجل تنفيذ كل منهما.
الدول الطبيعية لا تحتاج إلى بناء مجتمع لسكان يجلبون من العالم. ولا
تحتاج إلى ضخامة في الإنفاق العسكري، إنفاق يتجاوز قدرات دول صغيرة حتى في الوضع
الطبيعي.
هذا الأمر كان يفرض الحاجة إلى "المساعدات"، لكن المساعدات
الضخمة. المساعدات من أجل "البناء" والإسكان وعيش المهاجرين. والمساعدات
العسكرية التي هي أضخم من مقدرة دولة صغيرة وناشئة، بالضبط لأنها "قاعدة
عسكرية" لمواجهة المنطقة، وضمان منع تطورها عبر التهديد والحرب عند الضرورة
كما حدث في فترات سابقة.
وبالتالي يظهر الارتباط الوثيق بين وجود هذه الدولة وحاجات الدول
الإمبريالية التي عملت للسيطرة على الوطن العربي، ورسمت واقعه المجزأ والمتخلف
والهش. ودور الدولة الصهيونية هو حماية كل ذلك أولاً، الأمر الذي لا يتحقق سوى عبر
الهيمنة المباشرة على المنطقة، وهو ما كان يجري العمل من أجله خلال العقود الستة من
عمر هذه الدولة. ووصل الأمر إلى السعي لتفكيك المنطقة طائفياً وإثنياً وقبائلياً
من أجل تحقيقه.
وإذا كانت الدولة الصهيونية قد بنت علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية مع
أوروبا، فقد كانت في "علاقة عضوية" مع الإمبريالية الأميركية. فقد كانت
تحصل على المساعدات العسكرية السخية منها. لكنها كانت تحصل على ما هو أهم، أي على
الدعم المالي بشكل مباشر عبر مساعدة معروفة، وغير المباشر عبر تسهيل تطورها
الاقتصادي وفتح الأسواق لسلعها ضمن "الحصة الأميركية"، وتسهيل دخول هذه
السلع إلى أميركا دون قيود، ودون اعتبار أنها سلع منافسة. كما كانت تشكل جدار
الحماية لها في المحافل الدولية، والمروج للتعامل معها مع كثير من بلدان العالم.
بمعنى أنها كانت تتقاضى أجرة كونها "قاعدة عسكرية"، وكانت الإمبريالية
تلتزم كل مستتبعات ذلك.
الآن نحن في وضع متغيّر. أميركا تنسحب من "الشرق الأوسط" بعد
أن أنهكتها الأزمة "المالية". وتشكل العالم أحادي القطب ينهار. وهناك
عديد من الدول التي تسعى للتحول إلى "قوة عالمية"، وتحالفات تصاغ على
أمل فرض سيطرة محور على حساب آخر. لكن كل ذلك يجري في ظل أزمة عميقة تعيشها كل هذه
الدول والنمط الرأسمالي ككل.
وبالتالي من غير الواضح من سيكون القوة المسيطرة أو هل ستكون هناك قوة
مسيطرة. ما يبدو أنه في طور التشكل، أو ما يظهر إلى الوجود، هو أن هناك محورا
يتراجع وينهار هو الرأسمالية القديمة (أميركا وأوروبا واليابان)، ومحورا يتشكل
بهدوء هو محور روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. وأن دولاً مثل تركيا
تحاول أن تكون ضمن "الأقطاب".
لقد تأسست الفكرة الصهيونية بالترابط مع الرأسمالية الإنجليزية، وحين
نهضت ألمانيا حاولت التحالف رغم التطرف في النظر إلى اليهود من قبل النازية، والذي
استغل لتحويل "المحرقة" إلى حالة رعب تفرض هجرة اليهود إلى فلسطين وإلى
"ذنب" يحكم الشعوب الأوروبية خصوصاً. لكن الدولة الصهيونية نشأت
بالتبعية للإمبريالية الأميركية (رغم استفادتها من علاقة سريعة مع فرنسا)، وظلت
طيلة العقود الماضية تعمل وفق الإستراتيجية الإمبريالية الأميركية. وأصبحت أخيراً
جزءاً من الإستراتيجية العسكرية الأميركية في المنطقة.
لهذا سيبدو تراجع أميركا أنه ذو أثر مباشر عليها. لكن سيبدو أنها لن تجد
بديلاً قادراً على هذا الحمل "الثقيل". ما يظهر هو أن الدولة الصهيونية
تعزز علاقاتها مع الهند والصين، وأخيراً مع روسيا، وتقيم علاقات اقتصادية مع هذه
البلدان كما مع البرازيل. وبالتالي يظهر وكأنها تترابط مع المحور الذي يتشكل
حديثاً، رغم أن علاقاتها الاقتصادية لازالت مع المحور القديم (أميركا وأوروبا).
ويبدو أن هذا المحور يعزز العلاقة معها، من الهند والبرازيل إلى الصين وروسيا (وفي
هذا السياق تأتي زيارة بوتين الأخيرة).
لكن هل تتحقق "العلاقة العضوية" مع هذه البلدان التي هي ضرورية
لكي تستمر؟
هذا ما لا يبدو واضحاً، ربما لها. لأنها تتلمس الأزمة العميقة للرأسمالية
التي يمكن أن تطال هذا المحور نتيجة الترابط العميق في الرأسمال، والذي هو السمة
الأساس في التكوين الإمبريالي الراهن.
بمعنى أن الرأسمالية متداخلة وأصبح الترابط وثيقاً إلى حدّ خطر انتقال
الأزمات من بلد إلى آخر كما لمسنا في أزمة النمور الآسيوية سنة 1997، التي انتقلت
إلى أميركا اللاتينية وروسيا. وربما الآن إلى انعكاس أي انهيار في الاقتصاد
الأوروبي على روسيا والصين والهند والبرازيل.
لهذا، ورغم محاولات الدولة الصهيونية تعزيز علاقاتها مع "المحور
الجديد" فهي ربما لا تثق بأنه حل ممكن، وأنه يمكن أن يؤسس لعلاقة تنقذها من
وضعها الذي يغرق مع غرق الاقتصاد الأميركي خصوصاً والرأسمالي عموماً.
إذن، ورغم أن عمر الدولة الصهيونية قد زاد على ستين عاماً فإنها لازالت
بحاجة إلى الدعم الاقتصادي الخارجي، بالضبط نتيجة كونها تشكلت كـ "قاعدة
عسكرية" قبل أن تكون دولة مهمتها حل مشكلة "مشردين". ولا يبدو أن
حجم فلسطين، وكل التطور الاقتصادي فيها يمكن أن يعوّض عن الحاجة التي يفرضها وضع
قاعدة عسكرية مهمتها مواجهة منطقة بأكملها. هذه الأزمة هي التي كانت تفرض التوسع
الصهيوني، وضمان سيطرة الدولة الصهيونية على المنطقة لكي يتحوّل إلى
"إمبريالية إقليمية" قادرة على العيش.
هذا الأمر لا يبدو أن الوضع بات يسمح به، لا السيطرة الإقليمية ولا الدعم
الخارجي. ولهذا نلمس بأن الدولة الصهيونية تواجه إشكالين حاسمين، الأول يتعلق
بانعكاس أزمة الإمبريالية على اقتصادها، والثاني هو الثورات العربية التي أشّرت
إلى نهوض جديد يمكن أن يقلب كلية الوضع القائم.
اقتصادياً، يمكن تلمس أن الاقتصاد الصهيوني في ترابط وثيق بالاقتصاد
الإمبريالي، والأميركي خصوصاً. ترابط الرأسمال، والحاجة إلى الأسواق التي توفرها
ليس المنافسة بل الاحتكار الأميركي الذي كان يعطي حيزاً للسلع الصهيونية،
والمساعدة في تحقيق التطور التكنولوجي. ليظهر الاقتصاد الصهيوني كـ
"فرع" في الاقتصاد الأميركي. الأمر الذي يجعل أزمة المركز تصيب هذا
الفرع الطرفي.
وإذا كانت قد سعت إلى توفير أسواق بديلة في الهند والصين والبرازيل
وروسيا، وتعاونت تكنولوجياً مع الهند والصين، فإنها تظل في حاجة إلى الدعم المباشر
(المساعدات) وغير المباشر، ولم تصل بعد (وربما لن تصل) إلى أن تحقق هذه النقلة
الضرورية لوجودها كدولة "مستقلة".
هنا نلمس أهمية بحثها عن بدائل، عبر فتح خطوط مع "المحور
الجديد". لكن ليس من مؤشر على إمكانية ذلك الآن على الأقل، ولهذا سوف نلمس
تفجّر الأزمة الاقتصادية فيها خلال الفترة القادمة كانعكاس للأزمة العامة
للإمبريالية. فربما يؤدي انهيار مالي جديد في أميركا إلى انهيار مشابه فيها. وهذا
أمر متوقع في الفترة القادمة. كما يمكن أن يؤدي انهيار مالي أوروبي إلى أزمة
مشابهة.
كل هذه العناصر تؤسس لارتباك الوضع، والخوف من المستقبل، رغم كل
المحاولات التي تجري لترتيب "علاقة عضوية" مع إمبريالية جديدة. لكن
الوضع الدولي لم يعد يحتمل الصيغة التي كانت في الماضي، ويدفع إلى تشكيل فوضوي
ومرتبك وغير مستقرّ. لهذا يمكن أن نشهد تصاعدا كالحراك الاجتماعي" في الدولة
الصهيونية، كما يحدث في بعض بلدان أوروبا، أو حتى كما يجري في الوطن العربي.
الاقتصاد الصهيوني سيدخل مرحلة الأزمة، فهو في تشابك عميق مع الاقتصاد
الإمبريالي "القديم"، لم يقطع معه، ولا يبدو أنه قادر على ذلك رغم
محاولاته، وكما أشرنا فإن "الجديد" يعيش أزمة "القديم" بالضبط
نتيجة تشابك الاقتصاد العالمي.
من الممكن تلمس "خشية" الدولة الصهيونية من الثورات العربية،
فقد فتحت الأفق لتجاوز كل التكوين الاقتصادي الذي عملت الإمبريالية الأميركية على
فرضه طيلة عقود خمسة, من هذا المنظور يمكن تلمس "خشية" الدولة الصهيونية
من الثورات العربية، فقد فتحت الأفق لتجاوز كل التكوين الاقتصادي الذي عملت
الإمبريالية الأميركية على فرضه طيلة عقود خمسة.
التكوين الذي كان يلحظ ضمان السيطرة الصهيونية وتوسعها في الوطن العربي.
وهو التكوين الريعي المافياوي الذي يفترض التبعية ويؤكدها، ويسمح بالنهب دون رادع،
وبالتالي يبقي البنى الاقتصادية المجتمعية متخلفة وملحقة، وسلبية قابلة بالسيطرة.
لكن هذا التكوين، بالترافق مع الأزمة الإمبريالية، هو الذي فرض انفجار
الثورات، التي باتت تهدف إلى تجاوز الوضع القائم، ومن ثم تجاوز التكوين الإمبريالي
ومستتبعاته. وهو الأمر الذي يعني بالضرورة الصدام مع السيطرة الإمبريالية،
والصهيونية بالتالي. لهذا ينفتح وضع سوف يطيح بموازين القوى القائمة، ويفرض
متحولات يمكن أن تهدد وجود الدولة الصهيونية. إنها تخشى وضعاً عاصفاً يتهددها في
وضع عالمي مربك، واقتصادي خطر.
إذا كان العالم يهتزّ ويسير نحو التغيير العميق نتيجة الأزمة الإمبريالية
فإن الدولة الصهيونية تعيش هذا الوضع دون أن تتلمس إلى الآن من
"يتعهدها" لكي تستطيع العيش، ربما رغم طموح بعض الدول التي باتت
إمبريالية وتسعى للسيطرة على العالم، وهنا روسيا خصوصاً، التي تتطور علاقاتها مع
الدولة الصهيونية بتسارع أكبر مما تتطور مع البلدان العربية. لهذا لا بد من ترقب
الوضع وملاحظة تحولاته.
الجزيرة
نت، الدوحة، 24/12/2012
0 comments: