Wednesday, December 26, 2012


أليكس فيشمان
قد تكون هذه أول مرة تجعل فيها الجهات الاستخبارية في اسرائيل، في الجيش وفي 'الشباك'، تصفح الشبكات الاجتماعية في مقدمة الانذار بالحرب. فمجسات الاجهزة الاستخبارية تصور في الضفة صورة مخيفة تُذكر بقدر كبير بالمسارات التي أفضت الى الانفجارات الثورية في مصر. فهناك مجموعات كثيرة من الشباب العاطلين ومن المثقفين وطلاب الجامعات واليساريين والليبراليين ومجرد 'شباب' بلا تنظيم تحت سقف واحد حتى الآن يخلقون جوا عنيفا بعضه تآمري على اسرائيل بالطبع، لكن على المؤسسة الفلسطينية في الضفة ايضا. وتبحث كل هذه المجموعات عن الفعل وهي ترى حتى لو لم يوجد الى الآن تسونامي على الارض ان الانتفاضة الثالثة قد أصبحت هنا، والشبكات الاجتماعية فوارة بحسب ذلك. ويقولون هناك العالم يعترف بنا وحشدنا انجازات في غزة والامم المتحدة واسرائيل معزولة لكن ما التالي؟.
ان متابعة الشبكات الاجتماعية موجودة منذ سنين في اطار اجراء جمع المعلومات المكشوف للجهات الاستخبارية. ويفعل ذلك في الاستخبارات العسكرية وحدة 'حتساف'، التي تشتغل بتحليل المعلومات الاستخبارية الظاهرة في اطار وحدة جمع المعلومات 8200. و'الشباك' ايضا قوي في هذا المجال. واذا كانوا في الماضي قد حصروا عنايتهم في الأساس في تعقب جهات ارهابية معروفة كحماس والجهاد الاسلامي وحزب الله فان هذا المجال قد حصل منذ كان الربيع العربي على زخم وتحول. وقد حول تجنيد القوى الثورية بواسطة الشبكات الاجتماعية هذه الشبكات الى هدف استخباري مركزي، يُمكّن من دراسة المزاج العام في الشارع العربي. يتبين انه يمكن بواسطة تحليل المعلومات المتراكمة في الشبكات تحديد التنظيمات والقادة والقيادات المتشكلة. ويمكن بالطبع ايضا ادخال 'تشويشات' على الشبكة.
في الفترة 'البدائية' في الانتفاضة الاولى نشرت 'القيادة الوطنية الموحدة' التي أقامها الفلسطينيون في قطاع غزة توجيهاتها بواسطة منشورات نشرت في الميدان. وتعلموا في اسرائيل الطريقة فزور رجال استخبارات ببساطة منشورات لبلبلة العدو. ويمكن اليوم التنكر والمشاركة في مجموعات نقاش من القاعدة والجهاد العالمي في الشبكة العنكبوتية.
ليس التغيير في الجو في الشارع الفلسطيني في الشبكات أو بين الشباب غير المنظمين فقط، بل عند رجال بارزين من فتح في صعيد نشطاء الميدان، ويوجد شعور بما يسمونه 'أخوة الخنادق' مع الاخوة في غزة. لا توجد في الحقيقة مصالحة في القيادة العليا بين فتح وحماس، لكن في مستويات الميدان ينتشر شعور بالتعاطف مع مقاتلي حماس وتصور الحل العنيف الذي تعرضه المنظمة. في المنشورات التي أعدتها فتح لاحتفالات مرور 45 سنة على تأسيسها والتي ستتم في الاول من كانون الثاني، يبدو محارب يمسك بسلاح. فلم يعد هذا هو النضال المدني الذي يدعو اليه أبو مازن بل عودة الى الكفاح المسلح الذي تحدث عنه واحد من رؤساء السلطة هو نبيل شعث الذي شارك في مؤتمر انتصار حماس في غزة الى جانب اسماعيل هنية.
أصبح قدماء الانتفاضتين يشمون الدخان. فمنذ كانت 'عمود السحاب' أصبح يوجد ارتفاع جوهري لعدد حالات الاخلال بالنظام ومقدار الانذارات بعمليات. ان مقدار الانذارات اليوم بعمليات ساخنة يراوح بين 6 8 كل اسبوع. وليست هذه في الحقيقة هي الاعداد التي عرفناها في سنوات الانتفاضة، لكن اذا قيست بالسنة التي سبقت 'عمود السحاب' فان الحديث عن ثورة تقريبا. في هذا الاسبوع فقط بين يومي الاثنين والاربعاء رُميت أهداف اسرائيلية بـ 13 زجاجة حارقة على الأقل وتم الكشف عن شحنة ناسفة واحدة. وهذا احصاء عرضي لم يبلغ الى العناوين الصحفية في اسرائيل لأنه لم يقع جرحى ولأنه لا أحد يريد ان يعلم في الحقيقة. لكن هذه الارقام لن تختفي. وهذه الأحداث هي الجمر المتوهج الذي يُنذر بالحريق.
يتحدثون في اسرائيل عن امكانية جولة عنف اخرى. ويتحدث الفلسطينيون بمصطلحات حرب وثورة عسكرية. ولم يعودوا في مباحثات الجهاز الامني في الاسابيع الاخيرة يحصرون عنايتهم في سؤال هل ستنشب مواجهة بل في أية ظروف ومتى. ويقول فرض العمل ان احتمال انفجار غير مخطط له على هيئة الانتفاضة الاولى قائم. وقد عرف قائد منطقة المركز، نتسان ألون، هذه المفاجأة وجربها على جلده. ففي التاسع من كانون الاول 1987 في يوم نشوب الانتفاضة الاولى، كان قائد فريق في دورية هيئة القيادة العامة واشتغل باعتقال سري لارهابي في جباليا. وفي اللحظة التي خرج فيها الفريق من مخيم اللاجئين لقي آلاف الناس محتشدين في مظاهرة صاخبة. ولم يخطر ببال أحد ان طاقات عنيفة من هذا النوع موجودة أصلا على الارض التي كانت تبدو ساكنة مستسلمة. وأصبحت تلك المظاهرة أول هبة عنيفة كبيرة في تلك الانتفاضة. ولا تُنسى مثل هذه الصدمة التي تضرب الوعي.
لا يشبه السيناريو المحتمل لانتفاضة ثالثة في الضفة والذي يستعدون في الجيش له الانتفاضة الاولى أو الثانية بالضرورة لأنه توجد ثلاثة عناصر مركزية ستجعل المواجهة اذا نشبت شيئا مختلفا. فجدار الفصل والأسوار حول القدس معطى لم يكن موجودا في الانتفاضتين السابقتين. وعدد الفلسطينيين الذين يعملون بتصاريح في اسرائيل أقل مما كان في السنين التي سبقت سنة 2000 بكثير. وجدار الفصل وقلة العمال المرخص لهم الدائمين الذين يمكثون في اسرائيل ينشئان صعوبة موضوعية أكبر مما كانت في الماضي، في دخول اسرائيل وهو شيء يضمن ألا تنحصر الانتفاضة الثالثة في المراحل الاولى على الأقل في القدس وفي داخل الخط الاخضر. وهناك احتمال أكبر لأن يحدث معظم المواجهات على الشوارع بازاء المستوطنات والمعسكرات العسكرية. ويصف سيناريو الانتفاضة الثالثة الأشد انتقال العنف الى داخل الخط الاخضر باتصال فلسطينيين من الضفة بعرب اسرائيليين.
والعنصر الثالث هو قيادة السلطة الفلسطينية التي لا تدعو الى مواجهة مسلحة. فأبو مازن لا يقف وراء الأحداث في شوارع الضفة. واسهامه في المواجهة هو في مجال الجو العام في الأساس. انه لا يعرض على الشباب الخائبي الآمال برنامج عمل جديدا ما عدا بضعة رموز سلطة مثل 'دولة فلسطين' على أوراق رسمية ونشر لافتات على الشوارع تعلن: 'يُمنع الدخول منطقة فلسطينية'. ولا توجد الى الآن جوازات سفر فلسطينية ولا يقول التغيير المتوقع في مكانة المفوضيات الفلسطينية في العالم وتعريفها بأنها سفارات شيئا كثيرا للفلسطيني العادي. ولا يعوق هذا أبو مازن عن السير منتشيا بسبب انجازه السياسي في الامم المتحدة. ويرى الاسرائيلييون انه يتصرف بعدم اكتراث في مواجهة الهبة العنيفة في الشارع. وهو يوحي علنا بالمصالحة مع حماس وإن كان يفعل كل شيء في الواقع لتعويق هذه المصالحة، وحديثه عن الاتحاد مع حماس يوحي الى قوات أمن السلطة انه لا حاجة الى تنفيذ عمليات احباط موجهة على المنظمة. واسهام أبو مازن هذا في الجو العام ينشيء حراكا: فحينما لا تعالج قوات أمن السلطة اخلالات صغيرة بالنظام ولا تحتجز جهات المعارضة يقوى العنف. لجهاز الامن الاسرائيلي ايضا اسهام ما في تدهور الوضع. لأنه يوجد ثمن لسياسة الجيش التي هي منع احتكاك لا داعي له، واستعمال أكبر قدر من التسامح وألا يوجد في اماكن ليس من الضروري ان يوجد فيها. ويترجم الطرف الثاني هذا ترجمة مختلفة وبرغم ذلك تقرر في قيادة المركز انه يُفضل دفع ثمن ما ومنع تلك 'الاختلالات العملياتية' التي تنبع من احتكاك لا داعي له أو من أوامر اطلاق نار حُرة جدا قد تشعل الارض في وقت يفاجيء الجيش. ويؤمن الجيش الاسرائيلي بأنه سيكون عنده في الظروف الموجودة انذار أفضل لنشوب انتفاضة يُمكّنه من احتوائها في أسرع وقت ممكن. ويرى الجيش و'الشباك' أنهما 'يوجدان' اليوم على ارض أفضل مما كانت قبل ولهذا فان بنى الارهاب التحتية برغم ارتفاع عدد الانذارات ما تزال محطمة. ومنذ كانت عملية 'عمود السحاب' زاد عدد الاعتقالات التي نفذها الجيش من ناس حماس وجهات معارضة اخرى في الضفة لاضعاف جهات تحريضية قدر المستطاع ولتخفيف الغرور في المناطق على خلفية ما يُرى انه انتصار حماس في العملية.
الرجل السيء، جبريل الرجوب
بدأوا في الجيش الاسرائيلي يستعدون لاحتمال تدهور الوضع في الضفة قبل ثلاثة أشهر. وقرر تقدير الوضع انه بسبب الجمود السياسي والازمة الاقتصادية والأحداث في العالم العربي أخذت تضعف مكانة السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن. وجددت قيادة المركز تدريبات الوحدات ولا سيما وحدات الاحتياط التي يفترض ان ترد على هبة عنيفة على الارض اذا ما فقدت السلطة الفلسطينية الرغبة أو القدرة على السيطرة على ارتفاع اللهب.
تم اكمال الخطط لحالة فوضى والتي سُميت في الجيش الاسرائيلي 'بذور الصيف' في صيف 2011 على خلفية الآثار المتوقعة لتوجه أبو مازن الى مجلس الامن. واليوم يُنعشون هذه الخطط بصورة مكثفة وقد بُنيت خطة تدريبات لنصف سنة لقوات قيادة المركز. وقد تم تنفيذ نصف الخطة وتشتمل على تكميلات معدات لتفريق المظاهرات. في خلال عملية 'عمود السحاب' حلت وحدات الاحتياط في القيادة محل الوحدات النظامية التي أُرسلت الى غزة. وكان ذلك بالنسبة لرجال الاحتياط الذين واجهوا موجة احتجاج شعبي اشتعلت بسبب العملية في غزة في اماكن مختلفة في الضفة، تدريبا كثيفا وحياً استعدادا لامكانية مواجهة كبيرة.
ان الوضع، وهذا صحيح الى الآن، لا يوجب تعزيز القوات في قيادة المركز. وحينما تقع أحداث غير عادية توجه القيادة قوات وتحشد جهدا في نقاط احتكاك. لكن الاستعداد المسبق يُمكّن من تحويل سريع لقوات كبيرة الى الميدان من اجل خنق اللهب وهو ما يزال ضئيلا.
في نقاشات داخلية في جهاز الامن تُعرض اليوم الجهات التي تُعرف بأنها 'تؤجج' النار في الضفة في مقابل تلك التي 'تكف' ذلك. وان عدد الجهات المؤججة يفوق كثيرا تلك التي تكف. وكذلك فان التحولات التي تقف وراء الجهات المؤججة أكثر أهمية وهي: الربيع العربي والجمود السياسي والمستوطنات وعمليات التسعير والاعلان في الامم المتحدة باعتراف بدولة فلسطينية مراقبة، وازدياد حماس والجهاد الاسلامي قوة بعد 'عمود السحاب' وسلوك اجهزة الامن الفلسطينية على خلفية الاعلان في الامم المتحدة، فهي لا تريد ان يتم تصويرها على أنها متعاونة مع اسرائيل. في مقابل ذلك فان مجموعة العناصر 'الكافّة' غير مقنعة جدا وتقوم في الأساس على عناصر نفسية مثل 'رغبة السكان في الاستمرار في نهج حياتهم الهاديء' و'الذكرى المُرة من الانتفاضة الثانية'. ولا يمكن الاعتماد على ذلك، هذا الى انه نشأ جيل جديد لا يذكر الانتفاضة الثانية. وفي الاثناء وعلى خلفية قوة الاحتجاج الشعبي في الضفة أصبحوا يشيرون الى 'الرجل السيء' في هذه الجولة وهو وزير الرياضة في السلطة الفلسطينية، معرفتنا جبريل الرجوب. وعلى حسب أمر من رئيس الوزراء نتنياهو سُلب الرجوب في المدة الاخيرة حقوقه الامتيازية. وبيّن اصدقاؤه السابقون في اسرائيل له انه غير مرغوب فيه هنا، فهو لم يعد يستطيع التجول عندنا بحرية ولا يستطيع ان يجتاز الحواجز في الضفة بغير تفتيش. وليس الرجوب هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي وضعت عليه اسرائيل علامة في المدة الاخيرة لكنه الأبرز والأشهر عند الجمهور الاسرائيلي. وقد لاحظوا في جهاز الامن ان هذا الرجل بدأ يحفر بئرا حول أبو مازن فهو يرى الحرب المقتربة على الوراثة ويطمع في كرسي في القيادة العليا، بل انه ربما يطمع في كرسي الرئيس.
بخلاف موقف رئيس السلطة الذي يتحدث عن مقاومة مدنية، يتحدث هو عن انتفاضة عنيفة. ويتجول رجاله بين الشباب ويحثون على تصعيد. والرجوب على نحو يشبه جدا مروان البرغوثي الموجود في السجن الاسرائيلي بسبب اعمال ارهاب، يحاول ان يبني نفسه باعتباره رأس الجسر الذي يصل فتح بحماس وبسائر قوى المعارضة باعتبار ذلك جزءا من مسار طويل المدى يفترض ان يعيده الى صورة القيادة السياسية بل ربما باعتباره وريثا لأبو مازن.
يستعمل خصوم الرجوب في الداخل ولا سيما القادة الكبار لاجهزة الامن في الضفة سياسة مختلفة أو هذا ما يقولونه على الأقل لنظرائهم الاسرائيليين. فهم يقولون لن نساعد على انتفاضة ثالثة. وعندهم بالطبع دعاوى شديدة على اسرائيل بسبب المستوطنات والقيود الاقتصادية وعمليات التسعير والجمود السياسي لكنهم يقولون: لن نصل الى عنف باسلوب الانتفاضتين السابقتين. وقد مكّنت السلطة الفلسطينية في اطار اشارات المصالحة، مكّنت حماس لأول مرة منذ سنين من ان تنظم مؤتمرات احتفاءا بمرور 25 سنة على انشاء المنظمة. لكن في مؤتمر في نابلس حينما بدأ الشارع يشاغب، كفت اجهزة أمن السلطة الهياج. وفي نقاط شعروا بأنهم لن يقدروا فيها على الصد في الخليل مثلا لم يعوقوا الجيش الاسرائيلي عن القيام بعمله. وفي تلك المظاهرة في الخليل جرح نحو من 40 شخصا باطلاق غار مسيل للدموع ورصاص مطاطي. وأطلق الجيش نارا حية في واقعة واحدة رُميت فيها زجاجة حارقة.
أبو مازن باعتباره لاعبا رئيسا
ان التشابه بين ما حدث قُبيل الثورة في مصر وما يحدث اليوم في الضفة ليس تشابها متطابقا لكنه مقلق. لم تكن لمجموعات الشباب التي أحدثت الثورة في مصر كتلك المجموعات التي تشارك اليوم في الاخلال بالنظام في الضفة، منظمة سقف ولا يد موجهة ولا برنامج عمل واحد ايضا. وكان الاخوان المسلمون هم الذين نظموا لهم برنامج عمل وركبوا الحماسة والنجاح وهم الذين سرقوا حلمهم. وفي الضفة ايضا ينتظر سارق أحلام، أعني منظمة حماس.
ان رئيس حكومة حماس اسماعيل هنية أقل قلقا مما يجري في الضفة. وهو يحاول ان يقوي انجازاته في 'عمود السحاب' من اجل تقوية سلطة الاخوان المسلمين في غزة. وفي المقابل يرفع خالد مشعل ونائبه أبو مرزوق ورجال حماس في الخارج علم احتلال الضفة والسيطرة على السلطة وعلى م.ت.ف. واولئك الشباب الخائبو الآمال في الضفة هم النمر الذي ينوون ركوبه وتحريك عربة الانتفاضة الثالثة.
وهنا يوجد دور لأبو مازن وهو تعجيل مجيء هذه الانتفاضة أو تبطئتها. وينتج فجأة ان هذا الرجل غير ذي الصلة هو لاعب رئيس. يضغط خالد مشعل من اجل مصالحة مع فتح. ويؤخر أبو مازن ذلك ويضع عوائق أمام تلك المصالحة التي ستفتح لحماس الباب الى الضفة. وقد حاولت حماس منذ كانت عملية 'عمود السحاب' ان تدعوه مرتين باعتباره رئيسا للسلطة الفلسطينية ليحل ضيفا في غزة ورفض لأنه عرف ان ثمن ذلك سيكون رد الزيارة. انه يدع حماس تتظاهر في الضفة احتفالا بمرور ذكراها الـ 25 لكن هذا كل شيء الى الآن.
قد ينقلب كل ذلك في أقل من ثلاثة أشهر. فما بقي يوجد تفاوض مع اسرائيل بواسطة المصريين في شأن التسويات التي تقررت في نهاية عملية 'عمود السحاب'، يجب على حماس ان تحافظ على هدوء مطلق. وتعلم حماس ان كل سلوك متعجل لها قد يمحو كل انجاز تتوقعه مثل اتفاقات تتعلق بالجانب الأمني كذلك الشريط الغربي من جدار القطاع الذي مُنع الفلسطينيون من الدخول اليه. واذا حصلوا على ما يطلبون فان معنى ذلك 40 كم اخرى يمكن استعمالها لحاجات زراعية في القطاع. وتطلب حماس ايضا توسيع منطقة صيد السمك في غزة الى عمق 20 كم وما زالوا يتباحثون في هذه الموضوعات.
وستتفجر المباحثات مع كل اخلال بالهدوء. ولهذا حينما تشتكي اسرائيل للمصريين من نشاط عسكري ما لحماس يتعلق بتطوير وسائل قتالية أو تهريبها يعالج المصريون ذلك فورا وتكف حماس. ويتابع الجيش الاسرائيلي كما كانت الحال في الماضي دخول القطاع، غربي الجدار الحدودي لازالة ألغام ولا يصدر أدنى صوت عن حماس. وسيكون كل ذلك صحيحا الى يوم تنتهي فيه الأشهر الثلاثة. فاذا تبين لحماس ان الاتفاق الذي سيتم توقيعه مع المصريين لا يلبي توقعاتها من انجازات 'عمود السحاب' فان غزة قد تشتعل مرة اخرى مع كل ما لذلك من تأثير في الضفة.
ان هذه الفترة حساسة بصورة خاصة لكن حكومة اسرائيل استقر رأيها على اشعال سيجارة قرب مخزن ذخيرة على هيئة اعلان بناء واسع في المناطق. ان الاوروبيين لا يؤمنون للحظة بأن نتنياهو سيبني حقا في E1 وعندهم كما يبدو سبب جيد، بخلاف ناخبي اليمين، كي لا يصدقوه. فقد اجتهد شخص ما في ان يهمس بالحقيقة في آذانهم وهي انه لن يُبنى هناك بيت واحد وان كل ذلك يرمي الى حاجات انتخابية. فلماذا يُهدم هذا المبنى اللطيف للسلطة الفلسطينية والهدوء النسبي في الضفة بسبب تكتيك حملة دعاية انتخابية؟.
يديعوت 21/12/2012
القدس العربي، لندن، 22/12/2012


2.   "حرب أدمغة" حقيقية دارت في ظل التطور التقني الإسرائيلي.. كيف حسمت المقاومة "المعركة الأمنية" خلال العدوان الأخير على غزة؟
غزة: شكل العدوان الأخير على قطاع غزة صدمة ومفاجأة كبيرة للدولة العبرية، ليس من حيث الاستعدادات العسكرية والتقنيات الحديثة التي تملكها المقاومة فحسب، إنما من الأداء الأمني للجهات الرسمية والتنظيمية التي عملت على حماية خطوط المقاومة الخلفية.
هذا الأداء الأمني خلال العدوان الذي استمر ثمانية أيام كان أحد العوامل التي حسمت المعركة لصالح المقاومة الفلسطينية، بحسب ما يراه مراقبون.
ويقول قيادي أمني رفيع في حركة حماس، رفض الكشف عن هويته لـ"قدس برس": إننا "نجحنا بشكل كبير في محاصرة العملاء وأصحاب الطابور الخامس من المثرثرين والمثبطين، في تكامل نوعي بين العمل المقاوم ورديفه الأمني في الميدان".
وأشار إلى أن الجهاز الأمني لحركته "سجل انتصارًا جديدًا وكبيرًا على أجهزة أمن الاحتلال، وعلى رأسه جهاز "الشاباك" في ظل تكامل العمل جنبا إلى جنب لحماية الخطوط الخلفية للمقاومة من الاختراق والمتابعة".
بنك أهداف قديم
وأضاف: "أبدعنا بمشاركة الأجهزة الأمنية الرسمية وبمساهمة من أبناء شعبنا في تضليل وحجب المعلومات عن أجهزة استخبارات العدو، ما قطع التواصل بين رجال المخابرات الإسرائيلية وعملائهم في الميدان".
ونوه إلى أن ما "يفسر ذلك هو بنك الأهداف القديم الذي تم ضربه من قبل الجيش الإسرائيلي خلال العدوان الجديد، فقد عجزت أجهزة الأمن الإسرائيلية كما اعترف قادتها، بتجديد بنك معلوماتها ومتابعة تحركات رجال المقاومة وتحديد أماكن إطلاق الصواريخ على الأرض، لأن أجهزة المقاومة ضللت ولاحقت العملاء في كل مكان".
وشدد على أن "المعركة حتمت علينا التحرك بشكل عاجل لحماية الجبهة الداخلية بشكل صارم ومدروس، بما يحفظ الخطوط الداخلية والخلفية للمقاومة، فكان سهر الرجال والمتابعة على مدار الساعة ما حد من تحرك العملاء وجعل أجهزة الاحتلال تعيش في تخبط حقيقي".
ومن الإنجازات التي تؤكد أن "الأجهزة الاستخباراتية" الخاصة بالفصائل الفلسطينية قد بلغت مستويات غير مسبوقة؛ تمكن المقاومة من إرسال رسائل تهديد إلى مئات من الضباط والجنود الإسرائيليين خلال العدوان الأخير.
هذه الرسائل، حذرت الجنود من مغبة دخول "جحيم غزة"، لتصاب القيادة الإسرائيلية بالذهول، إذ  حاول الناطقون باسم جيش الاحتلال التخفيف من قيمة هذا الإنجاز، عبر ادعائهم أن البيانات التي حصلت عليها المقاومة "قديمة"، وتعود إلى عام 2008م، فردت المقاومة بعد العدوان بنشر بيانات الجنود وعشرات الوثائق العسكرية السرية الإسرائيلية، وجميع تواريخها تعود إلى هذه السنة.
 حماية ظهر المقاومة
وأوضح الناطق باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني الرائد إسلام شهوان أن مهمة الأجهزة الأمنية الرسمية توزعت على مهمتين أساسيتين، هما: حماية الجبهة الداخلية من الاختراق، وحماية ظهر المقاومة لتعمل بأريحية في مواجهة الاحتلال.
وقال شهوان لـ"قدس برس": "كان يعنينا بدرجة أولى تأمين المواطن، وألا يتأثر بالحرب النفسية التي تشنها مخابرات الاحتلال من خلال الاتصال على الهواتف وإلقاء المناشير التي تخوف وتهدد، والاتصال على أرقام عشوائية، ودعوة المواطنين لإخلاء المنازل".
وأضاف: "عملنا بقوة لحماية ظهر المقاومة، وذلك بالتعامل مع ظاهرة العملاء، من خلال الاعتقال أو التحفظ على بعضهم، أو منع البعض من الخروج من بيوتهم لئلا يكونوا عرضة للاستغلال أو الاستهداف، كانت معركة أمنية وصراع أدمغة حقيقي".
وبين أنه "كان هناك تواصل مع أذرع الفصائل العسكرية وإن لم يكن بالشكل المطلوب، تعاونا في تسليم بعض المشبوهين أمنيا الذين تقبض عليهم المقاومة، تسليم ملفات بأسماء مشبوهين، ويتم التعاطي معها".
متعاونون عرب
وبحسب شهوان؛ برزت أهمية متابعة ملف العملاء من خلال ما لمسناه من تخبط الاحتلال في ضرب أهداف مدنية، واعتراف قادة العدو بانقطاع التواصل مع عملائهم على الأرض وشح المعلومات الأمنية.
وإلى جانب هذه المعركة، كانت تدور معركة أمنية إلكترونية إسرائيلية، وأخرى مضادة، يقول شهوان: "حرصنا ألا تستغل المخابرات أو العملاء الوسائل الإلكترونية كالإنترنت لبث الحرب النفسية".
وتابع "حذرنا المواطنين بعدم التعاطي مع أرقام انترنت غريبة، والحذر في التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أننا وجدنا تفاعلا كثيفا على صفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي".
وأشار إلى أنه تم تحذير المواطنين كذلك من "صفحات مشبوهة تحمل أسماء مستعارة لكن الذي يديرها رجال مخابرات إسرائيليون، استخدمنا حملة مضادة على نفس الشبكات، فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها، وكان لدينا أخوة معاونون لنا في دول عربية أخرى.
تطور تقني وفني
كما استعانت الأجهزة الأمنية في غزة لأول مرة بمترجمين باللغتين العبرية والإنجليزية، لإحباط كل المحاولات الإسرائيلية لاختراق الشباب الفلسطيني إلكترونيا، وقال شهوان "كنا في دائرة المتابعة نتابع عددا كبيرا من صفحات التواصل الاجتماعي وما ينشر عليها بعدة لغات، وكنا نتواصل مع من يدير هذه الصفحات وتتم مراجعته".
ولفت إلى أن الأجهزة الأمنية وجدت معلومات فضولية تثار على تلك المواقع، وتم استهداف بعض الأماكن بناء على هذه المعلومات التي نشرت على مواقع التواصل، وقال: "رصدنا حربا نفسية باللغة الفارسية وبالإنجليزية والفرنسية والعربية، كنا في معركة أمنية متعددة الزوايا".
واستخدم الأمن في غزة التكنولوجيا الحديثة في إدارة المعركة، رغم قلة الإمكانات، واستطاعت توفير أجهزة بديلة تسد مكان الإنترنت والكهرباء حال قطع الاحتلال التيار والاتصال بالإنترنت، وقال شهوان: "أدرنا هذا الأمر بحكمة، وكنا جاهزين لأي طارئ، حتى نفضح العدو أمام عين العالم كله حتى يشهد العالم الجريمة الإسرائيلية".
عمل تحت القصف
وعن مكان العمل الذي كانت الأجهزة تدير من خلاله هذه المعركة؛ أوضح الناطق باسم الداخلية أن "المقرات كانت مخلاة من اللحظة الأولى، لقناعتنا أن العدو يدبر لغدر ما، كانت هناك أماكن بديلة، لكن معظم التواصل كان يتم ميدانيا خاصة في موضوع العملاء".
وأضاف "كان بعض العمل يتم بأماكن بديلة، مجهزة بالكهرباء والإنترنت، وكنا عبارة عن خلية، والغرفة المركزية كانت على تواصل مع بقية الأجهزة في الميدان، وفي أماكنها البديلة، وتمدها بكل ما هو جديد من معلومات، حول أي من المواضيع الأمنية موضوع الحرب".
والاستفادة من تجربة حرب 2008/2009 كانت كبيرة جدا، كما يقول شهوان، ويضيف: "كان هناك ضعف في الأداء الإعلامي والميداني العملياتي في حرب الفرقان، تم استخلاص العبر، وعقدت منذ تلك اللحظة العديد من ورش العمل الأمنية، وأعددنا خططا، وجمعت هذه الخطط ونفذنا عليها مناورات ميدانية دون أن نفصح عن ذلك".
ويوضح أنه "بناء على تلك الدراسات، تم تشكيل دوائر جديدة في الوزارة، منها دائرة التوعية الأمنية ودائرة حماية الجبهة الداخلية خلال الحرب، وهذه الدائرة بالتحديد عملت في الحرب من خلال 70 شخصًا موزعين للعمل على مواقع التواصل ورسائل الموبايل، والرسومات الهزلية ورصد الصحافة العبرية والإشراف على الموقع الإلكتروني، والاهتمام بالإذاعات المحلية، وغير ذلك".
وقال شهوان: "رغم قلة الإمكانات، فإننا في اليوم الخامس للحرب سجلنا انتصارًا إعلاميًا كبيرًا على الاحتلال، لمسنا تراجعًا إسرائيليا، الاحتلال كان يحاول استغلال أي ثغرة، لكننا كنا نسد هذه الثغرات أولا بأول من خلال تتبعنا لكل ما يصدر عن الاحتلال".
ورغم هذه النجاحات، دعا شهوان أبناء الشعب الفلسطيني وأجهزته الأمنية إلى "عدم التراخي وعدم كشف الأسرار العسكرية من باب التباهي وأماكن إطلاق الصواريخ ومن قام بإطلاقها"، وأكد على "أهمية التحلي بالكتمان والسرية التامة لأن الاحتلال ترهبه المفاجأة في الميدان".
الحاجة إلى التطوير
وكان مسؤول أمني كبير في "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس قد أكد في تصريحات صحفية سابقة أن "المقاومة لديها من العقول والخبرات ما يضاهي قدرات ضباط استخبارات العدو الإسرائيلي بفضل الله، لكن ينقصها بعض الوسائل والأدوات التقنية".
وأشار إلى "أننا أجرينا تقييما لأدائنا، ولم تخرج النتائج النهائية بعد، لكن جهات التقييم تؤكد أن الأداء كان مميزا". وأضاف "بموازاة ذلك نحن نعد العدة لمعركة أشرس، فنحن ندرك أن حربنا مع إسرائيل في الأساس حرب استخباراتية بالدرجة الأولى، وسنُري اللهَ وأمتنا وشعبنا منا خيراً في أي مواجهة مقبلة".
يشار إلى أن القدرة الاستخبارية للاحتلال أصيبت بضربةٍ قويةٍ عندما سقطت الأجهزة الأمنية الفلسطينية السابقة في غزة إبَّان أحداث يونيو حزيران 2007، بعد أن كانت تستُغل بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ كأكبر مزوِّدٍ ومُسهِّل لتدفق المعلومات إلى الاحتلال، عبر التنسيق الأمني المتفق عليه في "أوسلو".
ولم تتوقَّف بعد ذلك محاولات الاحتلال الاستفادة من الشبكات القائمة أو محاولة تجنيد شبكاتٍ جديدةٍ وبوسائلَ مبتكرةٍ، مستفيدًا من إمكانية الالتقاء بالشبكات التي يجندها خلال التوغلات أو التنقل عبر المعابر، خاصة التجاريةً إلى جانب معبر بيت حانون.
وتبقى حرب الأدمغة أحد أبرز أشكال الصراع الخفي بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، وعليها تترتب نجاحات الحرب المباشرة أو فشلها.
قدس برس، 23/12/2012

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: