أوباما يتخذ قراراً صائباً - وحكيماً - برفض إصدار تأشيرة لمبعوث إيراني
فورين بوليسي
15 نيسان/أبريل 2014
يخاطر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتعقيد الحوار الدبلوماسي - الذي لا يزال يتسم بالحساسية - مع النظام الإيراني، من خلال رفضه منح تأشيرة إلى السفير الإيراني المكلف إلى الأمم المتحدة، حميد أبو طالبي. كما أنه قد يثير غضب دول أخرى، بمن فيها حلفاء الولايات المتحدة، التي ينتابها القلق من أن تشكل الواقعة سابقة لقرارات مماثلة وتقيِّد من حريتها في إيفاد من يقع عليه اختيارها لتمثيلها في نيويورك. ومع ذلك، لم يكن قرار أوباما صحيحاً فحسب، بل إنه قد يجعل من استراتيجيته حيال إيران أكثر فعالية.
أولاً، فيما يتعلق بالمخاطر: إن اعتراضات طهران مبالغ فيها بعض الشيء. فهي تزعم أن تردد إدارة أوباما في منح التأشيرة يمثل انتهاكاً للالتزامات الدبلوماسية الأمريكية. بيد أن أبو طالبي اعترف بالمشاركة - حتى وإن كان لاعباً محدود الدور - في واحدة من الانتهاكات الأكثر خطورة للامتيازات وأوجه الحماية الدبلوماسية في الذاكرة الحديثة. وحتى إن كان قد أصلح من اتجاهاته منذ ذلك الحين، إلا أنه بالرغم من ذلك يمثل حكومة لم ترفض التنصل من أخذ الرهائن، فضلاً عن أنها لا تزال تمجّد تلك الممارسة. وللسبب ذاته، يمكن النظر إلى حالة أبو طالبي على أنها استثنائية ولا تمثل سابقة.
وبعيداً عن هذه المخاطر، فإن رفض الإدارة الأمريكية منح التأشيرة قد تكون له فوائد تكتيكية أيضاً. فمن بين العيوب الكبرى التي تعتري نهج أوباما تجاه إيران أنه أثار الشكوك بين الحلفاء بأن لديه الرغبة في التغاضي عن سلوك طهران المزعج على جبهات أخرى في إطار سعيه للتوصل إلى اتفاق نووي. إن رفض منح تأشيرة لأبو طالبي من شأنه أن يخفف من تلك المخاوف، جزئياً على الأقل، حيث إنه يثبت أن إدارة أوباما غير مستعدة للتغاضي عن سلوك إيران السيئ، وذلك ببساطة من أجل تجنب إثارة الغضب في طهران، أو لجعل أي مخاوف أخرى تابعة للمحادثات النووية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن قضية أبو طالبي قد أتاحت فرصة لإدارة أوباما - هي بحاجة كبيرة إليها - لكي تثبت وحدة الهدف مع الكونغرس. إن المناقشات المحتدمة حول التشريعات التي تهدد بفرض عقوبات على إيران - مرهونة بفشل المحادثات النووية - قد بعثت برسائل إلى طهران مفادها أنها تستطيع غرس بذور الشقاق والفوضى في واشنطن من خلال التهديد بافشال المفاوضات. كما أنها أخفت حقيقة أن الكونغرس والبيت الأبيض يشاركان نفس الهدف - وهو منع إيران من امتلاك أسلحة نووية بالإضافة إلى تجنب اندلاع صراع عسكري في الوقت نفسه - فضلاً عن مشاركتهما نفس الاستراتيجية - وهي الدبلوماسية المدعومة بالضغط والتهديدات العسكرية - حتى وإن اختلفا بشكل واسع حول التفاصيل.
كما أن الواقعة تمثل فعلياً فرصة لتحدي طهران. إن استعداد إيران المفترض للخروج من محادثات السلام - أو على الأقل تهديدها بالقيام بذلك - منحها ميزة نفسية. وحتى مع استمرار كبار المسؤولين الإيرانيين في نقدهم اللاذع المناهض للولايات المتحدة وعملهم الدؤوب من أجل إسقاط العقوبات تدريجياً خارج نطاق المفاوضات، فقد تبنى المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون نهجاً يتسم بالحذر المتعمد. ومع ذلك، ففي حين لا يوجد سبب لإصدار إهانة بلا مبرر، فإنه لا توجد أيضاً أي فائدة من وراء نشر التردد الشديد لأحد الأطراف في الانسحاب أو اتخاذ إجراءات قد تهدد المحادثات - حتى وإن كان هناك ما يبرر تلك الإجراءات.
وهناك احتمال بأن يؤدي رفض منح تأشيرة لأبو طالبي إلى إعاقة المفاوضات النووية. ومع ذلك، إذا كانت إيران مستعدة لإنهاء المحادثات حول خلاف غير ذي صلة، فإن ذلك يثير تساؤلات حول ما إذا كانت ستحترم في النهاية أي اتفاق يتمخض عن المحادثات، الأمر الذي سوف تستمر معه الخلافات العميقة حول أنشطة إيران الإقليمية ودعمها للإرهاب.
كما أن هناك احتمال بأن تُستخدم القضية من قبل المتشددين في البلاد ضد الرئيس الايراني حسن روحاني. لكن روحاني هو من قام بتعيين أبو طالبي؛ ومن الممكن أنه فعل ذلك من أجل أن يثبت أنه لم يحتضن الغرب كما أن الغرب لم يحتضنه. بيد أنه لو فعل ذلك دون أن يتوقع مقاومة أو تداعيات، فإن ذلك يثير تساؤلات حول قدرته على إدارة السياسات الداخلية التي وضع فيها مفاوضو مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» الكثير من الثقة - ومن أجل أن يكون أي اتفاق نووي مستداماً، يجب ألا يحظى فقط بموافقة فصيل إيراني واحد، بل بموافقة المرشد الأعلى والحكومات المستقبلية أيضاً.
ويخشى العديد من الذين يراقبون العلاقات الأمريكية الإيرانية منذ فترة طويلة من أن تكون قضية أبو طالبي مثالاً آخر على إضاعة فرصة دبلوماسية محتملة بسبب نزاع غير ذي صلة. إلا أن أي مفاوضات صعبة يجب أن تتغلب على مثل تلك العقبات. وعلاوة على ذلك، إن الفكرة من وراء مفاوضات مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» هي أن تثمر اتفاقاً ضيِّقاً يعالج المسألة النووية فقط. وحتى إن أمكن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، فيجب أن يصمد في ظل توترات مستمرة بين إيران، والولايات المتحدة وحلفائها بشأن العديد من القضايا الأخرى. وإذا لم تستمر المحادثات عقب تلك الواقعة، فيجب إعادة النظر في هذا النهج الضيق تجاه المفاوضات.
مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن.
0 comments: