Wednesday, January 16, 2013


لهذه الأسباب أُطلقَ الإيرانيّون وأُبقِيَ على المخطوفين اللبنانيّين!

الأربعاء 16 كانون الثاني 2013،   ناجي س. البستاني 
في الرابع من آب الماضي، وبينما كانت مجموعة من الزوّار الإيرانيّين متوجّهة بالحافلات إلى مطار دمشق الدولي، للعودة جواً إلى إيران، بعد زيارة حجّ إلى ضريح السيدة زينب، إعترضها مسلّحون معارضون للنظام، وقاموا بخطفها إلى جهة مجهولة. وبالأمس القريب، تمّ الإفراج عن كامل أفراد هذه المجموعة، في الوقت الذي يبقى فيه تسعة من المخطوفين اللبنانيين الأحد عشر في الأسر، علماً أنّ حادث خطف اللبنانيّين الذين كانوا عائدين من زيارة دينية إلى إيران برّاً، كان قد وقع بمجرّد عبورهم الحدود التركية إلى سوريا، وذلك في الثاني والعشرين من أيّار الماضي، أي قبل عمليّة خطف الإيرانيّين بشهرين ونصف! فلماذا نجحت إيران حيث فشل لبنان؟
بداية، لا بدّ من التذكير بأنّ ظاهرة الخطف على الهويّة، لأسباب سياسيّة أو دينيّة أو مذهبيّة أو عنصريّة أو غيرها، هي عمل إرهابي، بغض النظر عن الجهة التي تقوم بها، وعن الأهداف المنشودة من ورائها. وغالباً ما تتم مبادلة المخطوفين بأشخاص محتجزين لدى الطرف المُستهدف بعمليّة الخطف، وأحياناً في مقابل الحصول على مبالغ مالية، أو على مكاسب سياسيّة محدّدة. وفي عمليّتي الخطف اللتين نفّذتهما جماعات مسلّحة معارضة للنظام في سوريا، ضد الإيرانيّين واللبنانيّين، كان الهدف غير المعلن هو الإفراج عن محتجزين لدى السلطات السورية، وليس أي شيء آخر، بغض النظر عمّا تردّد في وسائل الإعلام في الأشهر الماضية، من طلبات إعتذار وما شابه! وبالنسبة إلى الأسباب التي أدّت إلى نجاح طهران حيث فشلت بيروت، فهي تلخّص بالشكل التالي:
أولاً: الدبلوماسية الإيرانية تحرّكت منذ اللحظة الأولى على أكثر من خط، لإيجاد مخرج سليم لأزمة الرهائن الإيرانيّين في سوريا. والأهم أنّ التحركات جاءت بعيداً عن الأضواء، بهدف تأمين نجاح الجهود الرامية إلى الإفراج عن المخطوفين، من دون السماح لوسائل الإعلام بإفشال هذه المساعي عبر نشر تكهّنات وشروط وتحاليل تفتقر للمصداقية. أمّا الدبلوماسية اللبنانيّة فتحرّكت دائماً في ظلّ ضجيج إعلامي صاخب، بحيث ترافقت الزيارات التي قام بها عدد من كبار المسؤولين اللبنانيين إلى الخارج، مع تغطية إعلامية، ومع وفود صحافيّة مرافقة! ومن باب الإنصاف، ومن بين السلطة الرسميّة، وحده المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، قام بأكثر من زيارة، وبذل جهداً كبيراً بعيداً عن الإعلام، لكن من دون أن تتكلّل محاولاته بالنجاح.
ثانياً: إيران كانت حازمة في حرصها على سلامة المخطوفين الإيرانيّين، حيث لم تتردّد في تحميل كل من أميركا وتركيا وقطر والسعودية مسؤولية سلامة رعاياها منذ اللحظة الأولى لعمليّة الخطف على الأراضي السورية. وفي الوقت عينه، كانت طهران واقعيّة في تعاطيها مع الملف، بحيث فتحت قنوات إتصال مع أكثر من طرف عربي ودولي للوقوف عند مطالب الخاطفين، ولإيجاد مخرج سليم للأزمة. وهي لم تتردّد في توجيه الشكر لقطر على دورها في طيّ الملف المخطوفين عند إنتهائه. في المقابل، بدا لبنان ضائعاً ومربكاً في تعاطيه مع ملف خطف الزوّار اللبنانيّين، فالتهديدات وعمليّات الإنتقام جاءت عشوائية، وذلك من قبل أهالي المخطوفين ومناصريهم، وضد أهداف ثانوية لا تؤثّر إلا على الحركة السياحية الداخلية وعلى سمعة لبنان، في ظلّ غياب الموقف الحازم للدولة اللبنانية. وعلى خط مواز، نفى المسؤولون اللبنانيون، وما زالوا، أي قدرة لتركيا أو لأي دولة عربيّة، على إحداث دفع بملف المخطوفين، بينما زياراتهم إلى هذه الدول توحي بالعكس! 
ثالثاً: إيران كانت واقعيّة إلى أبعد الحدود، ومدركة تماماً أنّ الإفراج عن المخطوفين الإيرانيّين، لن يتمّ من دون مقابل. وهي مارست الضغوط اللازمة على السلطات السورية المعنيّة، لتأمين الإفراج عن مواطنيها، بموازاة ضغوطها على الدول الإقليميّة المرتبطة بهذا الملف. وهي بالطبع، إستخدمت رصيدها الغني لدى القيادة السورية، لإنجاح صفقة التبادل، والتي كانت لصالح الخاطفين بطبيعة الحال. وفي هذا السياق، قيل إنّه في مقابل إطلاق الرهائن الإيرانيّين الذين بلغ عددهم 48 رهينة، تمّ إطلاق 2131 محتجزاً في السجون السورية، من بينهم أربعة طيّارين أتراك، حسبما تردّد أيضاً. وبغض النظر عن صحّة هذه الأرقام وعن هويّة المُفرج عنهم ودورهم، الأكيد أنّ عمليّة تبادل حصلت، وأدّت إلى الوصول إلى خاتمة لهذا الملف الإنساني. في المقابل، لم يقارب لبنان الموضوع بالجدّية اللازمة، وهو عوّل في بداية مرحلة الخطف على مساعي جهات سياسية داخلية لما لها من مونة على جهات مقرّبة من المعارضة السوريّة! ثم عوّل في مرحلة ثانية على جهود جهات حزبيّة خاصة، لما لها من مونة على القيادة السورية! ولكن في أي مرحلة من المراحل، لم تلعب الدبلوماسية اللبنانيّة دورها الصحيح، لجهة معرفة المطالب الفعليّة للخاطفين، ومحاولة إقناع دمشق، بطي هذا الملف الموجع للبنانيّين، ولو بثمن مشابه للثمن الذي دُفع لإنهاء محنة خطف الزوّار الإيرانيّين.
في الختام، صحيح أنّ حجم وقدرات وثقل إيران، لا تقارن بما يملكه لبنان من إمكانات، لكن الأصحّ أنّه من دون سلوك الطريق السليم لن يصل ملف المخطوفين اللبنانيّين إلى النهاية المرجوّة في المستقبل القريب. والإبقاء على آمال الوعود، وتحديد تواريخ زمنيّة بعيدة لعمليّات الإفراج، ثم إستبدالها بأخرى في مرحلة لاحقة، ما هو إلا ذرّ للرماد في العيون، ومحاولة هروب إلى الأمام! وهذه السياسة لن تسفر إلا عن زيادة طول فترة حجز حريّة المخطوفين اللبنانيّين، وعن زيادة طول فترة معاناة أهاليهم وأحبائهم! وبالتالي، آن الأوان، لمفاوضة الخاطفين مباشرة، وللاستفادة مما تملكه السلطة اللبنانية الحاكمة حالياً، من رصيد لدى دمشق، للوصول إلى صفقة تبادل من وحي الصفقة الإيرانية!


Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: