من يُلاحق “حزب الله” بالعبوات الناسفة؟
ناجي س. البستاني – النشرة
في 10 حزيران الماضي، وقع إنفجار صغير
في منطقة تعنايل في البقاع، لحظة مرور سيارة وباص صغير للركاب على الطريق الدولي
المؤدّي إلى معبر المصنع الحدودي. وفي 28 من الشهر نفسه، إستهدفت عبوتان ناسفتان
مجموعة من سيارات الدفع الرباعي ذات الزجاج الداكن على طريق زحلة – بعلبك. فمن
هو المُستهدف بهذه التفجيرات؟ وهل هي رسائل أم محاولات لإلحاق الأذى الفعلي، ومن
يقف وراءها؟
للإجابة على السؤال الأوّل، من الصعب الجزم والإجابة بشكل قاطع. لكن ما لفت المراقبين هو غياب أيّ بيانات رسميّة توضح الجهة المستهدفة، وأيّ بيانات عن “حزب الله” تنفي إستهدافه كما ذكرت عشرات وسائل الإعلام المحليّة والدوليّة، ولو نقلاً عن بعضها بعض. وكان لافتاً أيضاً أنّه في التفجيرات المذكورة تابعت السيارات المُستهدفة سيرها، وكأنّ شيئاً لم يكن! في حين أنّ الأمر الطبيعي للتصرّف في مثل هذه الحالات، هو التوقف وإنتظار القوى الأمنيّة للكشف على السيارات المتضرّرة، ولتقديم الإفادات، حفظاً للحقوق. أكثر من ذلك، ذكر شهود عيان على الإنفجار الأخير على طريق زحلة – بعلبك، أنّ راكبي موكب سيارات الدفع الرباعي الذي إستهدف، ترجّلوا للحظات من سياراتهم وأطلقوا النار في محيط المكان، قبل أن يغادروا المنطقة بسرعة. وفي كل الأحوال، لو كانت إحدى شخصيات 8 أو 14 آذار مستهدفة، لكان “الطبل والزمر” الإعلامي بشأن العمليّة صمّ الآذان، ولو كانت إحدى الشخصيات الأمنيّة مستهدفة، لكان صدر بيان رسمي بذلك عن الجهات المختصّة. ولو كان الإنفجار مجرّد عمل إرهابي لإثارة الرعب، لما كان وقع في الخامسة والتصف صباحاً، بل في توقيت يشهد زحمة سير، ولما كان حصل عند مرور موكب من السيارات الداكنة الزجاج، بحسب الشهود. وبالنسبة إلى ما إذا كانت هذه التفجيرات مجرّد رسائل، فإنّها ليست كذلك، على الرغم من أنّ التقارير التي صدرت بعدها لم تتحدّث إلا عن سقوط بعض الجرحى في الإنفجار الأوّل، وعن عدم وقوع إصابات في الإنفجار الثاني. ولو كان الأمر مجرّد رسالة، لما كان هناك حاجة لوضع عبوتين متتاليتين على بعد بضعة أمتار من بعضهما بعضاً، ولكان إكتفى المنفّذون بعبوة واحدة. لكن الهدف من وضع عبوتين هو إلحاق أكبر قدر ممكن من الأذى. أمّا وقد فشل المنفّذون في إيقاع قتلى، ولم ينجحوا سوى في جرح بعض الأشخاص في إنفجار تعنايل، فسببه يعود إلى صغر حجم العبوات، والتي تبيّن أنها من صنع يدوي، وتضم قذائف مدفعيّة جرى ربط صاعق فيها، يعمل عبر جهاز تفجير لاسلكي عن بُعد. فلو كانت العبوات أكبر حجماً وأشدّ فتكاً، لكان حجم الإصابات إختلف تماماً، خاصة وأنّ إعتماد أسلوب العبوات المتلاحقة أثبت فعاليّة تدميريّة كبيرة في العراق وغيره. وبالنسبة إلى الجهة التي تقف وراء التفجيرات، فهي محترفة من حيث القدرة على التنفيذ، لكن “ضعيفة” من حيث الإمكانات. فمثلاً التفجيرات السابقة التي تبيّن ضلوع عملاء إسرائيل فيها، كانت محترفة من حيث نوعيّة مواد التفجير المستخدمة، لجهة إعتماد عبوات صغيرة الحجم لكن شديدة الإنفجار، في حين أنّه جرى إعتماد قذائف صغيرة في تفجيرات تعنايل وشتورا، ربما للإفتقار إلى مادتي TNT و C4 وغيرهما من المواد التي تُستخدم عادة في صنع المتفجّرات. لكن من جهة أخرى، إنّ الجهة المنفّذة تملك القدرة على المراقبة والرصد، لجهة وضع العبوات ومراقبتها لفترة طويلة نسبياً، وذلك إلى حين وصول سيارة الـVan في الحال الأولى، وسيارات SUV في الحال الثانية، لتفجيرها لاسلكياً عن بعد. وهنا، يتبيّن لماذا إختيرت مناطق مفتوحة جغرافياً لوضع العبوات. فهذا الأمر يسمح بمراقبة حركة السير، والسيارات العابرة، من أيّ شقّة في أيّ مبنى مطلّ على الطريق العام، من دون المخاطرة بالتواجد على الطريق لحظة التفجير. وكما أنّ الصاروخين اللذين سقطا في الضاحية (قرب كنيسة مار مخايل في الشيّاح، وفي شارع مارون مسك) في 26 أيّار الماضي، جاءا بعد تهديدات بقصف الضاحية، فإنّ عبوتي تعنايل وزحلة جاءا بدورهما بعد تهديدات بملاحقة عناصر “حزب الله” في أي مكان. وبالتالي، المنفّذ ما هو إلا خلايا مؤيّدة للمعارضة السوريّة المسلّحة، أكانت لبنانيّة أم سورية. وعلى الرغم من وجود النيّة بإلإيذاء، وبعض الخبرة في التنفيذ، فإنّ هذه الخلايا تفتقر -أقلّه حتى هذه الساعة- إلى القدرة على إلحاق أذى فعلي وواسع، إن من خلال إستخدام عدد كبير من الصواريخ ضد الضاحية، أو عبوات تفجير من الحجم الكبير والشديد الإنفجار ضد المواكب التي تقلّ عناصر “الحزب”. في الخلاصة، وإذا كان صحيحاً أنّ المستهدف من التفجيرين الأخيرين هو عناصر “حزب الله”، فإنّ هذا الأمر لا يعدو كونه إطاراً طبيعياً للصراع المفتوح حالياً بين “الحزب” والقوى التي يدعمها من جهة، والمعارضة السورية المسلّحة والقوى التي تدعمها من جهة أخرى. وكل الصواريخ والتفجيرات ليست سوى حلقات من حرب مفتوحة، ستشهد في المستقبل حلقات إضافية من العنف، لأنّ نهايتها لم تحلّ بعد! |
0 comments: