Thursday, August 1, 2013

تمهيد الطريق لمحادثات سلام جديدة

تمهيد الطريق لمحادثات سلام جديدة

22 تموز/يوليو 2013
في 19 تموز/يوليو، أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية "وضعا أساساً" لتجديد مفاوضات السلام عقب توقف دام ثلاث سنوات تقريباً. ومن المتوقع أن ينضم اسحق مولخو، المستشار الأقدم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى وزيرة العدل تسيبي ليفني والمفاوض الرئيسي للسلطة الفلسطينية صائب عريقات، إلى الاجتماعات التي ستُعقد في واشنطن، ربما في غضون الأسبوعين المقبلين. ويقول المسؤولون الفلسطينيون إنهم ما زالوا ينتظرون بعض التوضيحات غير المحددة من الولايات المتحدة قبل استئناف المحادثات. وفي غضون ذلك، يمكن أن توفر المناقشات الأولية التي قادها كيري منذ نيسان/أبريل والبيئة السياسية داخل إسرائيل والسلطة الفلسطينية مؤشرات تحليلية بشأن الطريقة التي يمكن أن تمضي بها المفاوضات.
الوضع الراهن يقوض المصالح الإسرائيلية
لقد برزت قضية جديدة أثناء مهمة كيري وهي أن: نتنياهو متذمر علانية من الوضع الراهن. وعلى وجه التحديد، إنه يركز على أن الصهيونية تقوم على محافظة إسرائيل على هويتها اليهودية والديمقراطية، وأن هذه السمات لن تستمر إلى ما لا نهاية إذا عجزت إسرائيل عن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. وأخر ما حدث من تطورات أن مكتبه قد أصدر للتو بياناً في أعقاب اجتماع حكومته يوم الأحد المنصرم ذكر فيه أن إجراء المحادثات يمثل "مصلحة استراتيجية حيوية" لأن إسرائيل حريصة على "منع إقامة دولة ثنائية القومية بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط".
ومن جانبه، لم يؤكد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على أي مبادئ جديدة للتفاوض باستثناء التصريح الذي أدلى به حول إسرائيل في أوائل شهر تموز/يوليو: "إنهم جيراننا، ونحن نعترف بهم على هذا النحو. يجب أن نعيش سوية في أمن واستقرار". وفي ضوء عدم الثقة القائم بين الطرفين، فإن قيام مبادئ فلسطينية إيجابية لإجراء محادثات (بالإضافة إلى الرغبة الواضحة لإنهاء الاحتلال) يمثل أهمية في ظل التشكك من احتمالات حدوث انفراجة. وتظهر استطلاعات الرأي أنه في حين يؤيد غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين حل الدولتين، إلا أن كل جانب مقتنع بأن الجانب الآخر ليس جاداً. لذا يجب على القادة من طلا الطرفين إيجاد سبل لحشد جماهيرهم حول [أهمية الوصول إلى] تسوية وتوفير مسوغات لبدء محادثات جديدة. ويمثل ذلك أهمية خاصة لأن المتشددين من كلا الجانبين سوف يكثفون على الأرجح من معارضتهم إذا أحرز المفاوضون أي تقدم.
المظهر الإيجابي لانخفاض سقف التوقعات
الموضوع الآخر لمرحلة ما قبل التفاوض هو أن السياسيين اليمينيين في حكومة نتنياهو لم يكلفوا نفسهم عناء منع بدء محادثات جديدة لأنهم مقتنعون بأن العملية سوف تفشل. وعلى وجه الخصوص، أنهم يعتقدون اعتقاداً راسخاً بأن عباس لن يوقع على اتفاق. وفي هذا الصدد، قال نائب وزير الخارجية الإسرائيلي زئيف آلكين - أحد المنتقدين داخل [حزب الليكود] لسياسة نتنياهو القائمة على حل الدولتين - أنه يفضل [مسار] المحادثات لكنه وصف خلافه مع رئيس الوزراء حول إقامة دولة فلسطينية بأنه "نظري"، بسبب اعتقاده على ما يبدو أن السلطة الفلسطينية لن توقع على اتفاق. وبالمثل، وصف القيادي السياسي أفيغدور ليبرمان، الرئيس عباس بأنه عقبة في طريق السلام، ولا يعتقد على ما يبدو أن إسرائيل سوف تضطر إلى النظر بجدية في تقديم تنازلات صعبة للفلسطينيين. كما أن مختلف فصائل المستوطنين لم تعبر حتى الآن عن رأيها ضد قرار نتنياهو، على الرغم من أن صمتها قد يكون قائماً على عوامل أخرى باستثناء انخفاض سقف التوقعات.
ومن جانبه، من الواضح أن نتنياهو يريد الحد من قدرة منتقديه على تقويض المحادثات. وهذا كان جزءً من الأسباب التي دفعته لرفض تقديم التزام قبل المفاوضات بأن تقوم نتيجة أي اتفاق على حدود ما قبل 1967، كما طلب الفلسطينيون ذلك. وقال الزعيم اليميني نفتالي بينيت إن حزبه سوف ينسحب من الائتلاف إذا قدم رئيس الوزراء مثل ذلك التعهد. كما أشار نتنياهو أن أي اتفاق نهائي مع السلطة الفلسطينية لن يحظى بموافقة حكومته إلا بعد التصديق عليه في استفتاء وطني. حتى أنه أثار شبح إجراء انتخابات جديدة للتصديق على نتائج المفاوضات. ونظراً للسابقة التي أسسها أريئيل شارون - الذي انشق عن الليكود وشكل حزب جديد عندما لم يدعم فصيله الحاكم بصورة كافية اتفاقية فك الارتباط عن غزة عام 2005 - فقد تكهن البعض أن نتنياهو قد يفعل الشيء نفسه في حالة حدوث انفراجة.
تفادي اللوم
في ضوء الشكوك المتبادلة بين عباس ونتنياهو بشأن التزام كل منهما نحو التوصل إلى اتفاق، فقد أثار كثيرون أسئلة حول ما إذا كان كيري سينجح في إعادتهما إلى طاولة المفاوضات. بيد أنه من الواضح أن كيري كان قادراً على استغلال مشاعر أخرى مشتركة بين القائدين وهي: الرغبة في تجنب توجيه الولايات المتحدة اللوم إلى أي منهما جراء فشل استئناف المحادثات. ولم تريد إسرائيل أن يلقى اللوم عليها لأنها ستواجه خطراً أكبر من العزلة الدبلوماسية من قبل أوروبا وأماكن أخرى.  
وبالنسبة للفلسطينيين، فلم تكن القضية حول إلقاء اللوم فقط، بل تتعلق أيضاً بالقلق من أن وقوع إخفاق آخر سوف ينهي مساعي السلام الأمريكية طوال ما تبقى من فترة ولاية الرئيس أوباما الثانية، لا سيما نظراً لوجود أزمات أخرى مختلفة تواجهها واشنطن في الداخل والخارج. ولا يزال من غير الواضح إن كان هذا الخوف المشترك من تحمل تبعات اللوم سيكون كافياً لإبقاء الطرفين على طاولة المفاوضات، أم أنه سيكون كافياً فقط لحملهما على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ما يتجاوز طاولة المفاوضات
لعبت التنازلات والفوائد خارج طاولة المفاوضات دوراً في بدء المحادثات، ويرجح أن تستمر تلك الخطوات مع تكشف أحداث المفاوضات. على سبيل المثال، ليس من قبيل المصادفة أن كلاً من كيري ومبعوث السلام الدولي توني بلير قد اختار مهمة السلام التي قام بها كبري في وقت مبكر من هذا الربيع للإعلان عن حزمة تنمية اقتصادية بقيمة 4 مليارات دولار للضفة الغربية. وكان على الفلسطينيين أن يفترضوا أنهم لو رفضوا التعامل مع كيري، فإن المساعدات لن تكون وشيكة.
وعلاوة على ذلك، يعلم عباس أن الجميع يريدون عودة السلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات، لذلك فقد استغل هذه الأداة المؤثرة لتأمين تنازلين: إطلاق سراح نحو ثمانين من سجناء «فتح» على مراحل - أولئك الذين كانت قد أدانتهم المحاكم الإسرائيلية قبل اتفاقات أوسلو عام 1993 - وفرض قيود على بناء المستوطنات الإسرائيلية (من غير الواضح إذا كانت هذه القيود تشمل جميع المستوطنات أو مجرد المناطق خارج التجمعات الاستيطانية الأقل اكتظاظاً بالسكان). ومن جانبها، يبدو أن إسرائيل قد نجحت في تأمين الحصول على التزام من عباس بعدم العودة إلى الأمم المتحدة لترقية مكانة السلطة الفلسطينية [في المنظمات الدولية] طالما استمرت المفاوضات على مدار الشهور الستة إلى التسعة القادمة.
القضايا الهيكلية
يبدو أن جميع الأطراف تعلمت درساً واحداً على الأقل من المفاوضات التي دامت ثلاثة أسابيع وجرت عام 2010. فقد استلزمت العملية آنذاك أن يتفاوض القادة بأنفسهم - وهو إجراء كان محفوفاً بمخاطر سياسية ونجم عنه الوصول بسرعة إلى طريق مسدود. لكن مع شاركة مولخو وليفني وعريقات كمفاوضين، فإن أياً من الزعيمين [عباس ونتنياهو] لن يتعرض هذه المرة لعقبات مثيرة للجدل في وقت مبكر من المباحثات. ورغم ضرورة اتخاذ قرارات هامة في النهاية من قبل القادة، إلا أنه لا يزال بإمكان الجهود التي تبذل عبر القنوات الخلفية المساعدة على كسر الجمود الذي يحدث في المحادثات الرسمية.
بيد أن تركيز كيري المفهوم على حمل الطرفين على الجلوس على طاولة المفاوضات قد أخفى مسائل موضوعية وهيكلية هامة حول المحادثات الجديدة. ونتيجة لذلك فهناك أسئلة كثيرة. هل سيحاول الطرفان التفاوض على كافة القضايا، بما فيها القدس واللاجئين، أم أنهما سيرجئان الأمور الجدلية الحساسة والمسائل الرمزية ويتعاملان مع المسائل العملية أولاً، مثل الأرض والأمن؟ هل سيتعاملان مع المسائل بشكل تتبعي أم في مجموعات عمل متوازية؟ ما الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في المفاوضات المباشرة بين الطرفين؟ هل ستضع واشنطن أفكارها على الطاولة أم ستظل خارج غرفة المحادثات؟ وتشير بعض التقارير إلى أن الولايات المتحدة سوف تختار مبعوث خاص لهذه المباحثات هو الدبلوماسي المخضرم لشؤون الشرق الأوسط مارتن إنديك، ولكن لم يتم حتى الآن إعلان ذلك رسمياً.
كما أن الدور الإقليمي غير واضح هو الآخر. وقد أعطى القادة العرب غطاءً سياسياً لعباس في الأسبوع الماضي بإعرابهم عن دعمهم لمبادرة كيري للسلام؛ وفي أحسن الأحوال، سوف يستمر ذلك على الأرجح بمجرد بدء أعمال التفاوض الشاقة. وفي مصر، يمكن أن يُحد عزل الجيش لحكومة «الإخوان المسلمين» من قدرة «حماس» على تكدير المفاوضات، لكن من الواضح أن الوضع لا يزال متقلباً. وفي غضون ذلك، قرر الاتحاد الأوروبي - أكبر شريك تجاري لإسرائيل - الأسبوع الماضي عدم تمويل أي أنشطة إسرائيلية في في أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية. وبالإضافة إلى إمكانية التأثير على الاتفاقيات التجارية المستقبلية، بإمكان هذا التحرك أيضاً أن يزيد من صلابة المواقف الفلسطينية حول ضرورة التوصل إلى تسوية إذا آمنت السلطة الفلسطينية أن باستطاعتها الاعتماد على بروكسل للضغط على إسرائيل خارج غرفة التفاوض.
الخاتمة
نظراً للقضايا العديدة التي تُركت للمفاوضين، يرجح أن يكثف كيري من زياراته إلى المنطقة في المستقبل القريب. وفي الواقع أنه سيتم إيلاء اهتمام رفيع المستوى بينما يواجه الطرفان قرارات سياسية حاسمة، لكن ليس بالسرعة التي كان عليها الأمر في الأشهر القليلة الماضية. لقد جمع كيري بين الإسرائيليين والفلسطينيين للمرة الأولى خلال ثلاث سنوات، لكن القرارات الصعبة حول شروط السلام نفسه سيجري تناولها لاحقاً أثناء المفاوضات.

ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: