Mon, 09/02/2013
بقلم: عمير ربابورات
سيرتبط الهدف الأول للهجوم الأميركي ببطاريات الدفاع الجوي السورية. إذ تملك سوريا منظومات دفاع جوي متقدمة اشترتها من روسيا بعد الغارة المنسـوبة لإسرائيل على المفاعل النووي في الرقة العام 2007. وبالمقابل تملك الولايات المتحدة طائرات متملــصة من الرادار ومنظــومات قتال إلكتروني. كما تملك قدرة إرســال طائرات قاصــفة مسافة 20 ألف كيلومتر بين الولايات المتحدة وسوريا ذهابا وإيابا.
ومع كل الاحترام لمنظومات الدفاع الجوي الســورية، فالإغارة على سوريا ليست مستحيلة. وحسب منشورات أجنبية، أغارت إسرائيل على مخازن سلاح استراتيجي سورية أربع مرات على الأقل هذا العام. ولست بحاجة للتحليق فوق سوريا من أجل مهاجمتها: إذ يمكن إطلاق قذائف ذكية من ارتفاعات عالية فوق البحر المتوسط. وقبل أن تصل القذيفة للأرض يمكن إيصالها إلى كل هدف في غرب سوريا وبضمنها منشآت الحكم والحرس الجمهوري في دمشق.
ورغم ذلك، فإن الهجوم المسبق على منشآت الدفاع الجوي السوري مطلوبة، لتمكين طائرات الموجة الثانية الموجودة على حاملات الطائرات في البحر من مهاجمة العمق السوري أيضا. ومهم معرفة أن بطاريات الصواريخ الروسية قادرة على اعتراض صواريخ توماهوك الأميركية وإصابة الطائرات الحربية، لذلك مطلوب تحييدها المسبق.
وبعد معالجة المضادات الجوية يمكن للهجوم الأميركي أن يشمل مهاجمة الطائرات السورية على الأرض (ليس لسلاح الجو السوري أكثر من بضع عشرات من الطائرات الصالحة بعد عامين ونصف من الحرب الأهلية). وكما يبدو، ستهاجم أيضا مقرات عدة للحكم السوري. ويمكن الافتراض مهاجمة مخازن السلاح الكيماوي الموجودة معظمها في منطقة الساحل (قرب طرطوس واللاذقية) وقرب دمشق.
وسيترافق الهجوم ببث إشارات «تربك» وسائل الاتصال السورية وتخلق ستارا من الغموض الافتراضي حول ما يجري ميدانيا. كما أن منظومات الحرب النفسية لن تتأخر، وإذا تقبل الأسد الهجوم ولم يرتكب حماقات، فلن يكون الهجوم طويلا.
وحتى نهاية الأسبوع لا تزال إسرائيل تجهل بالضبط ما يخطط الأميركيون لمهاجمته. وواضح أن إشعارا سيصل فقط قبل ساعات من الهجوم، الذي يمكن أن يبدأ ابتداء من صباح الجمعة.
وقد رسمت الأقمار الصناعية، ووسائل الرصد والتنصت الأخرى (وأيضا المعلومات المحدودة التي نقلها الأميركيون عبر القنوات المعهودة) صورة واضحة: من جهة تنتشر قوات أميركية بدعم الناتو للهجوم، ويمكن رؤية ذلك في البحر أيضا. ومن الجهة الأخرى يهدد ناطقون سوريون من المستوى المتوسط «بحرق إسرائيل»، فيما أن بقايا الجيش السوري تبدأ عملية امتصاص – إخلاء القواعد، نقل الأعتدة الهامة إلى الملاجئ، كما أخليت موانئ طرطوس من رجال البحرية الروس المقيمين فيها. فروسيا تفهم أن أميركا جادة هذه المرة في الهجوم.
لعبة المصالح
لا يمكن للولايات المتحدة السماح بكبح نفسها هذه المرة. وهذا ليس لأن بشار الأسد أو ضحايا الشعب السوري يهمون الإدارة فجأة: فقد تخطى عدد ضحايا الحرب الأهلية حاجز ألـ100 ألف منذ زمن طويل، وتجاوز عدد اللاجئين المليون الثاني، ومع ذلك لم تهاجم أميركا. لكن الموجود اليوم على جدول الأعمال أشد جوهرية من وجهة نظر واشنطن: الأسد فسر عجز الأميركيين حتى الآن على أنه ضعف (خصوصا بعد أن كبح الأميركيون أنفسهم عن استخدام السلاح الكيماوي في آذار الفائت)، ولذلك سمح رجاله لأنفسهم بإطلاق صواريخ تحوي مزيجا من غاز السارين الفتاك.
والآن يفحص الشرق الأوسط، بل والعالم بأسره، الامبراطورية الأميركية. ولكن عدا الكرامة، للولايات المتحدة المزيد مما قد تخسر: فقد رسخ باراك أوباما قسما كبيرا من استراتيجيته على مساعيه لكبح انتشار أسلحة الدمار الشامل عالميا. وإذا كبح نفسه أمام الاستخدام المكثف للأسلحة الكيماوية، فإن استراتيجيته ستنهار. وسينهي أوباما رئاسته مع جائزة نوبل تلقاها في بداية طريقه، ومع عالم مليء بأسلحة الدمار الشامل (بضمنها سلاح نووي إيراني، حيث يفحصون جدية «الخطوط الحمراء» الأميركية في هذه الأيام تحديدا. فأمامهم «خط أحمر»، مرن جدا لكنه خط).
ومع ذلك، ليس للولايات المتحدة مصلحة بأكثر من عملية عقابية تحفظ ما تبقى من الردع الأميركي. ومن جانبها، فإن الدول العربية السنية، وعلى رأسها المملكة السعودية والأردن، لها مصلحة عليا في تأييد الهجوم الأميركي. وكذا حال الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو.
ومن الجانب الإسرائيلي، ليس للسوريين أية مصلحة بادية للعيان في مهاجمة إسرائيل ردا على الهجوم الأميركي. فالهجوم المكثف على إسرائيل سيقود إلى رد مضاد إسرائيلي، يمكن أن يقود إلى هجوم المتمردين والقضاء على حكم بشار الأسد. لذلك لا يزالون في الجيش الإسرائيلي وحتى نهاية الأسبوع يقدرون أن التصريحات المتحمسة شيء والواقع شيء آخر. واحتمال هجوم سوري على إسرائيل ردا على هجوم أميركي لا يزال متدنيا.
ولكن إذا كانت كل القرارات التي تتخذ في سوريا منطقية، فمن المعقول الافتراض أن الهجوم يوم الثلاثاء الفائت بسلاح سوري على ثلاثة مواقع للمتمردين السوريين في محيط دمشق ما كان ليقع. وبنظرة للوراء، يبدو توقيت الهجوم أحمق من ناحية الأسد: فقوات الأسد كانت في زخم معين بعد الانتصار الذي حققته في بلدة القصير ونجاحات تكتيكية أخرى عدة. كما أن المتمردين كانوا في ضائقة. والولايات المتحدة تبدو أضعف من أي وقت مضى، وكمن لا تنوي أبدا التدخل في الحرب الأهلية الدامية في دولة عديمة الحظ لا تملك موارد طبيعية هامة للاقتصاد العالمي.
وفي واقع الأسبوع الماضي، فإن الغاز صعد كما يبدو لرأس بشار الأسد، فسمح لنفسه بإخراج السارين من المخازن وذبح أبناء شعبه. وكما يبدو، فإن ظروف الأحوال الجوية في الأسبوع الفائت قادت إلى حجم مصابين أكبر بكثير مما توقعت أن ترى وحدة أبحاث الأداء العملياتي في الجيش السوري، لو وجدت.
فهل سيقترف الأسد حماقة أخرى ويأمر بمهاجمة إسرائيل؟ وهل في جيشٍ سلسلةُ القيادة ووسائل الاتصال فيه ليستا بين الأفضل، وربما أنهما لا يعملان، يمكن لقائد صغير أيا كان أن يتخذ بنفسه قرارا بإطلاق الصواريخ، أو أن يفعل ذلك عن طريق الخطأ؟ إن احتمال حدوث سيناريو كهذا ضئيل فعلا، ولكن لا يمكن استبعاده تماما.
اتصالات دبلوماسية
وقبيل نهاية الأسبوع كانت الولايات المتحدة مستعدة للهجوم على سوريا من ناحية عسكرية. كل الخطط جاهزة، وكذلك السيناريوهات أيضا، بما فيها تخطيط المعركة في حال قيام الأسد برد غير عقلاني. فمنذ فترة طويلة تملك الولايات المتحدة خطة للسيطرة على مناطق مركزية في سوريا في نطاق عملية برية تتطلب ما بين 40 - 60 ألف مقاتل، يخرجون بأغلبهم من الأردن. ولكن احتمال أن ينزلق أوباما إلى خطوة كهذه بعد أن أخرج قواته من العراق، وقبل أن يكمل إخراج ما تبقى من قواته من أفغانستان، منخفض لدرجة الصفر.
فما الذي رغم ذلك كله يمكن أن يمنع هجوما محدودا في اللحظة الأخيرة؟ فقط واقع أنه بموازاة الاستعدادات العسكرية المكثفة تجري اتصالات دولية محمومة. وعلى المستوى السري يوجد في الأيام الأخيرة تعاون استخباري دولي واسع (بما في ذلك إسرائيل، ولكن بعيدا عن الأضواء). وعلى المستوى العلني يتراكض الدبلوماسيون ويحاولون اختبار إجراءات اللحظة الأخيرة. وليس واضحا إن كان توجه بريطانيا لمجلس الأمن الدولي تم من أجل تعجيل الهجوم أم من أجل إرجائه. ومنطقي أن خطوة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، لتأجيل عودة وفد مفتشي الأمم المتحدة أربعة أيام لفحص موقع هجوم كيماوي (فقط بعد أن قام النظام بتطهير كل بقايا الهجوم في المنطقة التي فحصت) كانت محاولة لعرقلة الهجوم. وهناك احتمال ببقاء المفتشين الدوليين حتى يوم الاثنين. ويمكن للولايات المتحدة انتظار خروجهم، كما يمكنها أن تشن الهجوم حتى قبل ذلك، وربما الليلة.
وقبل نهاية الأسبوع كان باديا أن الروس سلموا بالهجوم الأميركي ضد من يرعونه بشار الأســد. وهم سيكــتفون بتقييد الهجوم وبضمان بقاء الأسد. وسوف يتعذر على الروس التسليم بإمكانية إعلان الولايات المتحــدة منطــقة حظر طيران في سماء سوريا في نهاية الهــجوم الجــوي. ومن ناحية الولايات المتحدة يمكن لخطوة كهذه أن تكون فعالة وأكثر جوهريـة مــن الهجــوم ذاته، الذي سيلحــق الضــرر كما يبدو بطبقات من الخرسانة، وأقل بوسائل قتالية أو بأناس.
الاستعداد الإسرائيلي
كيف حدث أنه في العام 2013 ليس لمئات الآلاف من مواطني إسرائيل كمامات واقية من الحــرب الكيماوية حــتى في مخــازن قيادة الجبهة الداخلية؟ إن واقع عدم توفر كمامات واقية للجميع يعتبر أحد الفضائح الكبرى، لأن الافتقار لها تم إبرازه في وسائل الإعلام بعدد لا يحصى من المرات، بل وفي تقارير مراقب الدولة، ومع ذلك فإن المؤسسة الإسرائيلية لم تعمل على تغيير هذا الوضع. والسبب انه حتى العام الحالي كانت ميزانية تجديد الكمامات الواقية تقع خارج إطار ميزانية الدفاع الاعتيادية، وعمليا كان يتم تغطيتها بشكل منفصل.
ولم يكن لقادة المؤسسة الأمنية شأن في إصدار الأوامر بالتزود بالكمامات الواقية لعموم السكان على حساب شراء وسائل دفاعية أخرى. أما وزارة المالية التي كانت ستصرف الأموال لإكمال النواقص في هذه الكمامات فإنها لم تفعل ذلك، ولهذا فإن الميزانية التي خصصت لهذا الشأن في السنوات الأخيرة كانت تكفي فقط للحفاظ على وجود كميات معينة من الكمامات الواقية، وليس أكثر من ذلك.
وهكذا نشأ وضع يظهر فيه النقص إذا طلب كل الجمهور في الأيام القريبة الحصول على الكمامات الواقية التي يستحقون. ولحسن حظ قيادة الجبهة الداخلية، فإن الجمهور لا يفهم أن كل من يسبق يكسب، وإلا لكانت الطوابير التي رأيناها هذا الأسبوع في فروع البريد التي توزع الكمامات الواقية صارت أطول بكثير.
ولكن ومن دون صلة بالمشاهد غير اللطيفة أمام فروع البريد، كان لإسرائيل مصلحة هذا الأسبوع في عدم إثارة الاهتمام وعدم حشر نفسها في عناوين الصحف عالميا بشأن الهجوم الوشيك. فالحضور الإسرائيلي الكبير في وسائل الإعلام كان يمكن أن يجعل متعذرا على الولايات المتحدة بلورة ائتلاف يضم دولا عربية أيضا. وهذا هو سبب غياب تصريحات إسرائيلية بشأن الهجوم، لا من جانب المستوى السياسي ولا من جانب الجيش الإسرائيلي.
ولكن ليس بالوسع إخفاء كل شيء: فخلال الأيام الأخيرة كانت حركة نشطة لمنظومات «القبة الحديدية»، «الباتريوت» و«حيتس» من مركز البلاد إلى شمالها. وأقر المجلس الوزاري المصغر تجنيد قوات احتياطية بأوامر طوارئ موقعة من وزير الدفاع، وهرع جنود احتياط لإبلاغ وسائل الإعلام عن ذلك. وحتى الآن لم يتم تجنيد الجميع. فعدد المجندين بلغ حوالي ألفين فقط من بين آلاف الأوامر التي صودق عليها. ولكن عدد المجندين سوف يزداد عندما يبدأ الهجوم.
وكيفما تبدو الأمور قرب نهاية الأسبوع، في ظروف معينة تتعلق بمؤتمر مجموعة العشرين الدولي الذي سيعقد في موسكو في الأسبوع المقبل بمشاركة أوباما، فإن الهجوم قد يشكل رافعة لنظام عالمي ما برئاسة الولايات المتحدة وروسيا، يقود إلى إنهاء الحرب الأهلية في سوريا. ويتعذر رؤية حدوث ذلك، ولكن ليس مؤكدا أن تسوية كهذه تناسب المصلحة الإسرائيلية: فهي قد تجسد في سوريا كيانات عدة جميعها معادية لإسرائيل – سواء بشار الأسد، حليف إيران وحزب الله، أم الإخوان المسلمون ومنظمات الجهاد العالمي التي تسيطر حاليا على مناطق عدة.
إن سيناريو كهذا يخلق الرعب في قيادة الجبهة الشمالية. ويقول مصدر أمني قلق: «من الأفضل أن يتواصل القتال بين كل أعدائنا في سوريا من أن يستقروا جميعهم ضدنا. فمصلحتنا هي أن تتواصل الحرب».
معاريف
0 comments: