سـيـنــاريــوهــات الـتـصـعــيــد فـــي غــــزة
Fri, 01/24/2014 -
بقلم: شلومو بروم
طرأ في الاسبوع الاخير تصعيد في اطلاق الصواريخ من قطاع غزة والردود الاسرائيلية على ذلك، وثمة تخوف من أن تؤدي آلية التصعيد بالضرورة الى قرار اسرائيلي للمبادرة مرة اخرى الى حملة واسعة في قطاع غزة، بحجم حملتي الرصاص المصبوب وعمود السحاب. هدف المقال هنا هو تحليل اسباب التصعيد، احتمالات ان يستمر والسياسة المرغوب فيها من جانب اسرائيل.
السؤال الاساس هو هل هذا تصعيد مقصود ومبادر اليه ام ان مصلحة الطرفين لا تزال هي الحفاظ على الهدوء، ولكنهما قد يفقدا السيطرة على آلية التصعيد.
في الجانب الاسرائيلي الصورة واضحة – ليس لاسرائيل مصلحة في خرق الهدوء. من ناحية رئيس الوزراء نتنياهو فان التقليص الدراماتيكي، حتى الصفر تقريبا لاطلاق الصواريخ من غزة منذ حملة عمود السحاب هو انجاز كبير، وليس له ما يدعوه الى أن يرغب في فقدان ذلك. في العالم العربي يمكنهم ان يتسلوا بنظريات المؤامرة التي تقول ان اسرائيل معنية بتفجير المفاوضات مع الفلسطينيين عبر التصعيد في غزة ايضا، ولكن لا يوجد اساس لهذا الادعاء لان لاسرائيل مصلحة في استمرار المفاوضات، حتى بعد نيسان 2014.
ازمة في المفاوضات – ولا سيما عندما تكون احتمالات طيبة في أن يلقى بالذنب عن الازمة على اسرائيل بسبب رد "غير متوازن" من جانبها – ليست مصلحة اسرائيلية.
الصورة اقل وضوحا في جانب الفلسطينيين في غزة. لا ريب ان ثمة محافل في غزة معنية بتفجير المفاوضات مع اسرائيل وبتصعيد المواجهة العنيفة معها على حد سواء. ويضم هؤلاء جملة من المنظمات المسلحة في القطاع، سواء كانت عناصر في الجهاد الاسلامي أم مجموعات سلفية – جهادية.
واغلب الظن فان اطلاق الصواريخ قامت به هذه الجهات دون علم حماس، التي تسيطر في قطاع غزة، وعلى ما يبدو ايضا دون علم قيادة الجهاد الاسلامي الذي هو التنظيم الاكبر في القطاع بعد حماس.
ولكن حتى الهجوم الاخير عرفت حماس كيف تعمل بحزم ضد هذه المجموعات وتكبح جماحها. ويطرح السؤال: هي غيرت حماس سياستها ام انها فشلت في كبح جماح هذه المجموعات، الامر الذي يمكنه أن يشهد على انخفاض في نجاعة سيطرتها في قطاع غزة.
تجتاز حركة حماس فترة صعبة وهي في وضع من الضعف السياسي والعسكري. فالحرب الاهلية في سورية اجبرتها على قطع العلاقة مع داعمين هامين لها، سورية وحزب الله، وأدت الى قطيعة شبه تامة مع داعمها المركزي، ايران، التي كانت المصدر الاساس للدعم بالمال والسلاح.
لقد عولت حماس على توثيق العلاقات مع من كان يعتبر اللاعبين الجدد الذين يصعدون في اعقاب الثورات في العالم العربي، الحركات الاسلامية. وبدلها أن العلاقات الوثيقة مع مصر بسيطرة الاخوان المسلمين، قطر الثرية وذات النفوذ وتركيا اردوغان ستعوضها عن فقدان حلفائها التقليديين. ولكن الدولاب انقلب.
الرئيس مرسي عزل والحكم العسكري في مصر يكن عداء شديدا لحماس التي يعتبرها تهديدا بصفتها ذات قدرات عسكرية وتآمرية لا بأس بها لحركة الام الخاصة بها في مصر – الاخوان المسلمين.
وقطعت مصر عمليا انفاق التهريب على حدود غزة – سيناء، شريان الحياة الى غزة. وتعزو مصر عمليات الجماعات البدوية – الجهادية في سيناء ضد النظام المصري وقوات الامن لديه لتوجيه ومساعدة من حماس. في قطر تخلى الامين الشيخ والمريض عن لقبه وتتوج ابنه، الاقل حماسة للسياسة الخارجية الفاعلة لقطر الصغيرة والعلاقات مع حماس، ولاردوغان توجد مشاكل خاصة به، وعلى اي حال فان قدرة الوصول التركية والقطرية الى قطاع غزة متعلقة بارادة مصر الطيبة، التي كما أسلفنا غير موجودة. والنتيجة هي أنه خلافا للوضع الذي تبلور بعد حملة الرصاص المصبوب، والذي نجحت فيه حماس في أن تملأ بسرعة مخازنها من السلاح بل وتعززها بصواريخ اثقل، الان، حماس تجد صعوبة في التهريب المنتظم للسلاح منذ حملة عمود السحاب.
وهي تحاول تعويض نفسها عن ذلك بتطوير وانتاج ذاتي لصواريخ بعيدة المدى، ولكن يوجد فارق هائل بين الدقة والقوة التدميرية لهذه الصواريخ والصواريخ ذات الجودة العسكرية التي تهرب من ايران.
حماس غير مستعدة لجولة قتال جديدة بحجم واسع وذلك لان وضعها السياسي سيء اكثر من ذلك. فقد توقفت المغازلات لها في المنطقة وخارجها، وبات لاعبون مركزيون في العالم العربي، وعلى رأسهم مصر والسعودية، معادين لها بشكل حاد.
تحاول حماس الخروج من وضعها البشع في سبيلين. فمن جهة تحاول استئناف العلاقات مع ايران بنجاح جد جزئي. فلايران بقيادة الرئيس روحاني، الذي يحاول الوصول الى مصالحة مع الغرب لا توجد مصلحة في ابراز علاقاته مع حماس وبالتالي مثلا، فان طلب خالد مشعل زيارة طهران قد رد. ويحتمل ايضا ان كنتيجة لسلوك حماس فان ايران ترى فيها جهة خيانية لا يمكن الثقة بها ولهذا فانها تحذر من استئناف العلاقات معها. ومن جهة ثانية، فان حماس تتخذ سياسة تصالحية تجاه مصر وتجاه قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله. وتحاول المنظمة عدم استفزاز مصر لمعرفتها بتعلقها بها، وتعيد تحريك مسيرة المصالحة لحماس مع منظمة فتح على فرض أن هذا سيخرجها من العزلة السياسية.
ولهذا السبب فان المنظمة لا تبذل ايضا جهدا خاصا للهجوم على المفاوضات السياسية التي تديرها اسرائيل مع السلطة (التي مآلها في نظرها هو الفشل على اي حال) باستثناء بعض التصريحات العادية.
يمكن الادعاء بان استمرار التفاقم في وضع حماس يمكن أن يدفع المنظمة نحو الزاوية ويؤدي بها الى الاستنتاج بان ليس لها ما تخسره وان السبيل الوحيد امامها للخروج من الازمة هو من خلال تفجير الوضع. حماس بالفعل يمكنها أن تصل لاحقا الى هذا الوضع، ولكن في هذه المرحلة يبدو انها لم تتوصل بعد الى هذا الاستنتاج وهي تحاول التخفيف من الضغط عليها من خلال خطوات سياسية.
وبالتالي يبدو ان التصعيد الحالي لا ينبع من سياسة مقصودة لحماس وهو في اساسه نتيجة فقدان سيطرتها على الوضع، والذي تخلق فيه حادثة على الحدود دافعا لرد من مجموعة فلسطيني يؤدي الى رد اسرائيلي وهكذا دواليك.
على فرض أن هذا التحليل صحيح، فان الهدف الاساس لاسرائيل هو منع التدهور الى مواجهة واسعة لا يريدها الطرفان، وذلك دون المس بالقدرة على ردع حماس ولاعبين آخرين في قطاع غزة. اسرائيل لا يمكنها أن تغير السياسة الاساس التي صممت بعد عمود السحاب، وبموجبها يجب الرد على اطلاق الصواريخ من غزة بحزم أليم على حماس ومنظمات اخرى في غزة، خشية أن يتآكل الردع الذي تراكم في الحملتين الكبيرتين هناك. ولكن الردود يجب أن تكون مدروسة وبالتوازي لها ثمة حاجة الى متابعة حثيثة لسلوك منظمة حماس التي تسيطر في غزة وفي نظر اسرائيل هي المسؤولة عما يجري فيها حتى لو كانت منظمات اخرى هي التي تطلق الصواريخ.
اذا ما توصلت اسرائيل الى الاستنتاج بان حماس تبذل جهدا حقيقيا لمنع المجموعات الاخرى من العمل ضد اسرائيل، فان عليها أن تقطع دائرة الردود والردود على الردود من خلال تأخير تكتيكي لردودها. وهي يمكنها دوما ان تستأنف هجماتها اذا ما تبين بان الامر غير مجدٍ.
0 comments: