مقالات وتحليلات
المجد-خاص:
ظهرت من جديد تصريحات للكيان الصهيوني فيما يختص بقضية تأثير "الربيع
العربي" على رؤية نظر الأجهزة الأمنية في الدولة العبرية وما يجري في الدول
المجاورة للكيان.
ولفت
المحلل للشؤون العسكريّة في صحيفة "هآرتس" العبرية، عاموس هارئيل،
الجمعة الماضية، إلى أن حملة الاحتجاجات التي عمّت العالم العربي توقفت في سوريّة،
بسبب عدم تمكن المحتجين من إسقاط النظام الحاكم، ولكن بموازاة ذلك، كشف النقاب عن
أن الاستخبارات الصهيونية اضطرت إلى تغيير استعداداتها وطرق عملها للتكيّف مع
الوضع الجديد الذي نشأ، والذي لم تكن تتوقعه، خصوصا وأنّ الأحداث جرت بسرعة فاقت
كلّ التوقعات للخبراء والأجهزة الأمنية في دولة الكيان، على حد تعبيره.
وقلب
ميدان التحرير في القاهرة الأمور رأسًا على عقب، على حد قول هارئيل، الأمر الذي
دفع الاستخبارات العسكريّة والأخرى في دولة الكيان إلى تغيير رؤيتها، حيث باتت
تتعامل فجأة مع الشعوب ومع الرأي العام ومع مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت،
أو كما قال أحد الضباط الانتقال إلى حقبة فيسبوك.
وظائف
غير جذابة
وهذا
التحدّي الجديد وصل إلى شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكريّة، وتحديدًا أمام
مجموعة قليلة العدد من الباحثين اليافعين، الذي يتمتعون بقدرة خارقة من الذكاء،
على حد قوله، ولكنّه استدرك قائلاً إنّه في السنوات الأخيرة فقدت هذه المجموعة من
الباحثين في قيادة الأركان العامة بجيش الاحتلال من أهميتها، إذ تبين فجأة للقيادة
العسكريّة أنّ هذه الوظائف باتت غير جذّابة من قبل الشباب الصهاينة، الذين ينخرطون
في جيش الاحتلال.
كما
أشار إلى وجود ضجر من قلّة عدد الباحثين والجنود الذي يعملون في وحدات الأبحاث
المختلفة، فمن ناحية تسارعت وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط، ومن الناحية الأخرى،
لم يزد عدد الباحثين، الأمر الذي أوجد فجوة في الحصول على معلومات سرية عن الدول
العربية.
وكشف
النقاب عن أن التنافس بين وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية ووحدة 8200،
المسماة بالوحدة المركزيّة لجمع المعلومات بات شديدًا للغاية، ذلك أن الكثيرين من
الباحثين والجنود والضباط لا يعلمون ماذا تفعل الوحدة المذكورة وما هي مجالات
تخصصها، لأنها محاطة بالسريّة التامّة، نظرا لحساسية الأمور التي تعالجها، على حد
قوله.
وتعاني
وحدة الأبحاث في أمان تعاني من نقص حاد في الضباط من درجات مختلفة بسبب عدم قدرة
القادة على إغراء الباحثين بمواصلة خدمتهم في الوحدة، مقابل الإغراءات الأخرى
المعروضة عليهم في الوحدة السريّة 8200.
وكان
موقع "المجد الأمني" أكدّ من خلال دراسة أجراها حديثًا أنّ قادة وخبراء
الاستخبارات الصهيونية في الكيان يشعرون بالضياع في دول الثورات العربية، بعد أن
فقدوا السيطرة عليها من جهة جمع المعلومات والتجسس على الأنظمة والحكومات فيها.
وانقلبت
الطاولة في تلك الدول على الكثير من مخططات "الموساد" التي يُحاول من
خلالها معرفة ما يدور فيها لاسيما وأنّها أصبحت تُشّكل خطرًا على دولة الكيان، وفق
ما يزعم دائمًا، حيث تشير تقديرات
وتحليلات وتصريحات صهيونية إلى أنّ "الموساد" فقد السيطرة على المعلومات
في تلك الدول.
مزاعم
متواصلة
وساق
هارئيل قائلاً، إنّ أفراد وحدة الأبحاث في أمان على إلمام كبير للغاية في جميع
المواضيع، بدءا من المسألة الإيرانيّة، مرورا بالأوضاع الاقتصاديّة في المنطقة
وحتى في مجال تطوير القذائف والصواريخ من قبل التنظيمات الفلسطينية بقطاع غزة.
وقال
الضابط، الذي سمته الصحيفة بالضابط (د)، وهو مساعد قائد وحدة التقدير إن الوحدة
تستوعب خيرة الجنود "الإسرائيليين"، ولكننّا ما زلنا بحاجة ماسة إلى
تجنيد آخرين لتحسين أداء الوحدة.
وأشار
أيضًا إلى أنّ موجة الاحتجاجات التي عمّت وتعم الوطن العربي ألزمت الوحدة المذكورة
بتبني طرق عمل جديدة، وحسب أقوال أحد الضباط فإن الأضواء في المنطقة تتغيّر بسرعة
كبيرة، وبالتالي فإن المخابرات الصهيونية بحاجة إلى تغيير طرق الترقب والتعقب، في
محاولة لجمع المعلومات الهامة والحساسية في الوقت الصحيح وقبل فوات الأوان.
أما
الضابط يوناتان فقد عبر عن استغرابه الشديد من القفزة النوعية الهائلة في قدرة
الفلسطينيين على تطوير صواريخ وقاذفات في قطاع غزة، لافتًا إلى أن الفلسطينيين
يقومون بتصنيع الصواريخ في البيوت، وأن ذلك يشكل خطرا على أبناء العائلة، ومن
الجهة الثانية، يمنع الصهاينة، على حد زعمه، من تصفية المصنعين. المجد الامني،
6/5/2012
ماجد كيالي
كان
لافتًا للانتباه جدًّا حديث الرئيس محمود عباس في رسالته إلى بنيامين نتنياهو، عن
التزام الفلسطينيين بوقف التحريض! هذا شيء يدعو إلى التساؤل حقًّا عن مغزى ذلك.
فما هو مفهوم التحريض؟ وماذا عن حرية الرأي والتعبير في مناطق السلطة الفلسطينية؟
وهل يدخل ضمن ذلك تفنيد الرواية الإسرائيلية للنكبة ومحاولة احتلالها الزمان
والمكان الفلسطينيين؟
ثم ما
الذي تعنيه المقاومة الشعبية إن لم تكن -على الأقل- على مستوى مقاومة الخطابات
الإسرائيلية المتغطرسة والعنصرية والاحتلالية والخرافية؟ ثم هل يتساوى
"التحريض" الكلامي مع ما تفعله إسرائيل على الأرض من إصرارها على
استمرار الاحتلال والاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري وتخريب حياة الفلسطينيين
وتنكيد عيشهم، عبر الحواجز العسكرية وسياسة الاعتقال ومصادرة الأراضي والقمع؟
الواقع
أن رسالة عباس إلى نتنياهو مثّلت هبوطًا في السياسة وفي التفكير السياسي عند
القيادة الفلسطينية السائدة بمحاولتها استجداء حكومة إسرائيل بوقف الاستيطان
وإنعاش خيار الدولة في الضفة وغزة وإنقاذ السلطة من المأزق الذي وصلت إليه، بما لا
يليق بكفاح الفلسطينيين وتضحياتهم، ولاسيما أن قيادتهم لا تبحث عن معادلات أو عن
خيارات جديدة ومغايرة.
المشكلة
عند القيادة الفلسطينية أن خطاباتها ومطالبها السياسية من إسرائيل بشأن حقوق
شعبها، باتت أقل من ما هو منصوص عليه في القرارات الدولية ذات الشأن، فهي تطالب
بدولة في حدود 22% من أرض فلسطين في حين أن القرار 181 (1947) نصّ على قيام دولة
للفلسطينيين في حدود 43% من أرضهم التاريخية، وحتى في 22% فإن القيادة الفلسطينية
تبدي قبولاً بإمكان إجراء مساومة تبادلية تُبقي فيها كتلا استيطانية ضمن إسرائيل
مقابل إعطائها نسبة مماثلة من الأراضي التي تقع في نطاق السيادة الإسرائيلية!
وبشأن
حقّ العودة للاجئين فإن القيادة الفلسطينية (كما ورد في الرسالة) تؤيّد حلاً متفقا
عليه مع إسرائيل، في حين أن القرار 194 (1949) نصّ على وجوب عودة اللاجئين إلى
أراضيهم التي شردوا منها، والتعويض لهم ولمن لا يرغب في العودة منهم. كما أن
القرار 273 (1949) الذي اعترفت بموجبه الأمم المتحدة بإسرائيل نصّ على أن هذا
الاعتراف مقرون بتنفيذ إسرائيل للقرارين السابقين، وهي الدولة الوحيدة التي تم
الاعتراف بها على هذا النحو.
المشكلة
الأخرى عند القيادة الفلسطينية أنها في خطاباتها السياسية باتت أيضا، كأنها أكثر
استحياء وأقلّ تطلّبا من قطاعات من الإسرائيليين، الذين يبدون أكثر تشدّدا إزاء
دولتهم، وإزاء نقدهم لخطابها "التوراتي" والعنصري والاستعماري. هذا
ينطبق، بأشكال متفاوتة، على عديد من الإسرائيليين من القادة السياسيين
والأكاديميين والباحثين، وعلى يهود يعيشون في الخارج، ولا يشعرون بأن إسرائيل
تمثلهم، وهذا يشمل مثلا أبراهام بورغ وإسرائيل شامير وعميره هس وجدعون ليفي وإيلان
بابيه ونورمان فلكنستاين وأوري أفنيري وعاموس عوز وأ. ب يهوشواع وإسحاق ليئور
وأمنون راز وإيللا شوحط وجوديث بتلر وهنري سيغمان ويوسي بيلين الذي دعا أبا مازن
إلى عدم بعث الرسالة وحلّ السلطة وكشف إسرائيل أمام العالم باعتبارها دولة احتلال.
وهذا،
مثلاً، شخص بمستوى أبرهام بورغ (أحد زعماء حزب العمل السابقين، ورئيس كنيست سابق)
يقول في مقابلة معه لمجلة "قضايا إسرائيلية" (مركز "مدار"،
شتاء 2012) بمناسبة ترجمة كتابه "لننتصر على هتلر"، إن إسرائيل
"تحوّلت متحدثة باسم الموتى... باسم كل أولئك غير الموجودين، أكثر مما تتحدّث
باسم كل أولئك الموجودين". وعنده فإن "الدولة التي تحيا على سيفها،
والتي تسجد للموتى، مآلها أن تحيا في حالة طوارئ دائمة". وبالنسبة إلى تعريف
إسرائيل لذاتها بأنها "دولة يهودية" يرى أن ذلك "يستحيل أن يتعايش
تحت سقف واحد مع تعريفها بأنها ديمقراطية".
وينعى
بورغ "الحلم" الإسرائيلي بقوله: "في صبانا كانت إسرائيل مختلفة.
كانت علمانية واشتراكية. تحولت إسرائيل من حيث بنيتها فأصبحت دولة رأسمالية
ودينية..."، كما ينعى تيار اليسار الذي يحمله مسؤولية تأسيس إسرائيل على
أساطير من نوع: "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب" الخاطئة "لأنها تتجاهل
العرب". وفي ما يخصّ الفلسطينيين فإن بورغ يؤكد على "أنَّ اليهود الذين
كثيرًا ما كان يتم في السابق تشريدهم، يشكِّلون هم بالذات سبب تشريد
الفلسطينيين". وفي رأيه إذا كان "يتعين على الإسرائيليين ألاَّ ينسوا
المحرقة... ينبغي لهم أن يتعلموا ضرورة عدم تكرار ما حدث" لهم ولغيرهم.
أما
بالنسبة إلى عملية التسوية فيعتقد بورغ أن "معادلة دولتين لشعبين لفظت
أنفاسها". والبديل يكمن في "طرح نموذج لا يبدأ من حلّ القضايا القومية
وإنما من الالتزام بالقضايا الاجتماعية، حيث لا فرق بين اليهود والعرب، أي بمساواة
كاملة. وهذا يستلزم أن إسرائيل ليست دولة يهودية ديمقراطية وإنما دولة
ديمقراطية... كل إنسان يعيش... بين نهر الأردن والبحر المتوسط الحق نفسه والمساواة
نفسها... في دولة جميع مواطنيها... الخلاص هو في الاندماج في الشرق الأوسط... إلى
حد العلاقات التامة بين الأفراد والأبناء..." بحيث "يصبح الشعب اليهودي
ودولته جزءا عضويا من الأسرة البشرية في العالم أجمع، لا مخلوقا وجوديا، مستقلا،
مميزا ومنفصلا لا ينتمي إلى التاريخ". يقول بورغ: "أنا شخصيا أريد الاندماج...
أريد أن تكون هناك دولة واحدة مدنية ومساواة في الحقوق لكل إنسان بين النهر
والبحر... أريد توزيعا مختلفا لتحمل الأعباء والمسؤولية الاجتماعية المدنية
والقومية".
كلام
بورغ هذا ربما لا تكون له شعبية كبيرة في إسرائيل، لكنه مترسّخ في خطابات النخبة
الثقافية فيها، وهو مؤشّر مهم يكشف التناقضات التي تعتور إسرائيل، فضلا عن أنه
يدلّ على تفوّق إسرائيل على خطابات معظم قياداتنا حتى في إنتاج نقدها لأوضاعها.
والمشكلة أن الطبقة السياسية السائدة عندنا ما زالت تتعامل مع إسرائيل باعتبارها
كتلة صماء، ووفق مفاهيم أكل الدهر عليها وشرب، ووفق نهج يقوم على التوسّل
والمناشدة!
وهذا
إيلان بابه الأكاديمي، المحسوب على تيار المؤرّخين الجدد، ومؤلف كتاب:
"التطهير العرقي في فلسطين"، والذي يعتبر من أبرز دعاة حلّ "الدولة
الواحدة الثنائية القومية" وعودة اللاجئين الفلسطينيين ومقاطعة إسرائيل، وفرض
عقوبات عليها، من خلال "استلهام النموذج المعادي للأبارتهايد (الفصل
العنصري)، الذي استطاعت من خلاله حركةٌ وطنيةٌ الاعتمادَ على كفاحٍ غيرِ عنيفٍ في
الغرب ليقوِّيها وليُتمِّمَ عملَها داخل بلادها. ومن خلال "الاستهداف الفعّال
والمباشر لمزاعم "الديمقراطية" في إسرائيل، وهي مزاعمُ قَدّمتْ حتى الآن
درعًا تحمي هذه الدولةَ من أيّ نقدٍ أو ضغط". وعنده أنّ "فضحَ ممثّلي
الثقافة والقيم الإسرائيلية... الخاصة بعقيدة قمعية وكولونيالية خطوةٌ مهمةٌ من
أجل ترجمة الدعم الإجمالي (لفلسطين) في المجتمعات الغربية إلى سياساتٍ حكوميةٍ
مغايرةٍ في المستقبل". (مجلة الآداب 4/6 / 2008).
أما
جوديث بتلر، وهي أكاديمية يهودية أميركية عضو في الهيئة الاستشارية لـ"الصوت
اليهودي من أجل السلام"، واللجنة التنفيذية لـ"أساتذة من أجل السلام
الفلسطيني الإسرائيلي، في الولايات المتحدة"، وعضو مؤسّس في مؤسسة راسل حول
فلسطين (في بلجيكا)، وفي حركة مقاطعة إسرائيل، فهي تؤكد على ضرورة التمييز بين نقد
إسرائيل وسياساتها الوحشية والعنصرية والاستعمارية ضد الفلسطينيين وبين معاداة
السامية (في مقالة نشرتها في London
Review of Books، أغسطس/آب 2003). ولطالما انتقدت بتلر محاولات إسرائيل احتكار
مكانة الضحية الأبدية، مستخدمة في ذلك أطروحات مدرسة فرانكفروت من فالتربنجامين
وأدورنو حتى حنه آرنت وبريمو ليفي.
حتى
استغلال إسرائيل للمحرقة (الهولوكوست) بات يلقى نقدا حادًّا من قبل كتاب
إسرائيليين، فهذا إسرائيل شامير يقول: "إجرامنا تجاوز إجرام روسيا في
الشيشان، وأفغانستان، وإجرام أميركا في فيتنام، وإجرام صربيا في البوسنة،
وعنصريتنا -ضد الفلسطينيين- ليست أقل انتشارا من عنصرية الألمان". (هآرتس
14/7/2011)
وفي
نظر إسرائيليين كثر، باتت إسرائيل تبدو مجرد دولة دينية متعصّبة ودولة مستوطنين
متطرّفين، وبحسب جدعون ليفي: "يجب أن نعترف: هذا مجتمع ذو مزايا دينية ظلامية
جدا. الأجنبي الذي يجد نفسه في إسرائيل في هذه الأيام يسأل نفسه ما هو المكان الذي
وصلت إليه إيران، وأفغانستان؟... لا يمكن للدولة التي تحتل وتسيطر على ثلاثة
ملايين ونصف إنسان مجرّدين من كل الحقوق المدنية الأساسية أن تسمي نفسها
"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". (هآرتس، 12/4 /2012).
وفي
مقالة أخرى يقول ليفي: "الدولة، وقد أصبح عمرها 64 سنة، لا تزال تواجه
الأسئلة نفسها، وكأنها ولدت أمس ولا جواب عنها. فلا أحد عنده جواب عما سيكون وجه
الدولة بعد عشر سنين. بل يوجد من يشكّون في مجرد وجودها حتى ذلك الحين، وهذا سؤال
لا يثار حول أية دولة أخرى... هل يعلم أحد هل ستكون إسرائيل ديمقراطية بعد عشر
سنين؟ وهل يستطيع أحد أن يضمن هذا؟ وهل ستكون دولة علمانية أم تصبح دولة شريعة
يهودية؟ وهل تكون دولة رفاه أم دولة رأسمالية؟ مدنية أم عسكرية؟ وهل يوجد فيها
مجتمع أوروبي أم شرق أوسطي أم ثمة شكل آخر؟ وكم من الشعوب سيعيش فيها بعد عشر
سنين؟... وماذا ستكون حدودها؟ وهذا أيضا سؤال لا يُسأل إلا في إسرائيل التي هي
الدولة الوحيدة التي لا حدود لها. إن كل شيء مفتوح وسيّال وهش بصورة مخيفة... إن
دولة بلا مستقبل (واضح)، تتسلى بالماضي وتحصر عنايتها في الحاضر تشبه دولة لأمد
قصير. ولا يسأل أحد حتى عشية أيام الانفعال القومي القريبة ماذا سيكون وجهها بعد
عشر سنين، وهي مدة تُعد صفرا بالمعنى التاريخي؟" (هآرتس، 15/4/2012).
وثمة
محللون إسرائيليون يرون أن إسرائيل باتت تتشبّه بمحيطها، أي أنها دينية لا حداثية
ولا ديمقراطية. وبحسب آري شبيط فإن "متطرفي الله اليهود يخرجون الآن في هجوم
ضد الأقلية وضد الفرد وضد حقوق الإنسان. وهم يحاصرون المحكمة العليا والصحافة
الحرة والمجتمع المفتوح. هناك طوفان لم يسبق له مثيل من العنصرية على العرب
وكراهية العلمانيين واضطهاد النساء يهدد بجعل إسرائيل المتنورة إسرائيل الظلامية.
وفي حين يحتارون هل يجب على إسرائيل أن تقصف إيران، يوجد من يحاولون جعل إسرائيل
إيران... حان الوقت ليفهم اليمين العلماني أنه إذا تحولت إسرائيل إلى إيران، فلن
يكون لها أي أمل. ستنتقض عُراها من الداخل وتُبتلع في الظلام الديني
الإقليمي". (هآرتس 1/12/2011) ويعتقد خبير الاقتصاد البروفيسور دان بن دافيد
أن "إسرائيل إذا أصبحت دولة من العالم الثالث، فسيكون ذلك نهاية المشروع
كله". (عنات فيشبن، يديعوت أحرونوت، 29/10/2011).
أما
تسفي برئيل فيتحدث عن هيمنة لوبي المستوطنين على أجندة إسرائيل معتبرا أن
"سيطرة المستوطنين على "صوغ الذاكرة القومية"، أو على الخطة
الدراسية... تضعهم في مكانة دولة داخل اتحاد إسرائيلي استيطاني". (هآرتس،
2/2/2012).
وفي
الواقع فإن إسرائيل لم تعد هي نفسها التي كانت في الخمسينيات والستينيات
والسبعينيات من القرن الماضي، بالنسبة إلى مواطنيها اليهود، فقد انتهى الحلم
الإسرائيلي بالنسبة إلى هؤلاء، وظهرت إسرائيل الواقعية بإشكالياتها وتناقضاتها.
فمن
المعلوم أن إسرائيل عندما قامت روّجت لنفسها باعتبارها الملاذ الآمن لليهود في
العالم، فإذا بها أقل أمنًا لهم من أي مكان آخر، بل إنها أضحت عبئًا عليهم. وبينما
نشأت هذه الدولة لإيجاد حلّ قومي لـ"الشعب" اليهودي، إذا بها تطرح مشكلة
أخرى تتمثّل بوجود "شعب" إسرائيلي.
وفي
حين اعتُبِرت إسرائيل "واحة" للحداثة، والديمقراطية الوحيدة، في
المنطقة، إذا بها تبدو بمثابة دولة دينية شرق أوسطية أخرى، وتُعرّف بأنها دولة
عنصرية، تميّز على أساس الدين. وفي غضون كل ذلك فإن إسرائيل لم تعد الدولة
النموذج، المعنية بتأمين أعلى مستوى رفاهية لليهود فيها، لجذب المهاجرين إليها،
بخاصّة بعد أن أخذتها رياح النيوليبرالية المتوحّشة، فخصخصت قطاعاتها العامة،
وهمّشت مؤسساتها الكبرى (الهستدروت والكيوبوتزات والموشاف)، وقلّصت التقديمات
الاجتماعية.
عمومًا
فإن هذا الجدال يفتح على نواحٍ عدّة، فهو يفنّد ادعاء إسرائيل باحتكارها تمثيل
اليهود، وعدم مماهاة نقدها باللاسامية، ويشكّك في روايتها وسياساتها وادّعاءاتها،
ويبيّن أن إسرائيل هذه باتت بممارساتها العنصرية والاحتلالية بمثابة عبء أخلاقي
على اليهود أنفسهم، الذين باتوا موضع شكّ في العالم بسبب سياساتها.
ومن
جانب آخر فإن هذا النقد يفيد الفلسطينيين فهو يعزّز من حقّهم في مواصلة النضال ضد
إسرائيل، بما في ذلك تفنيد أطروحاتها وادعاءاتها عن نفسها، باعتبارها بمثابة واحة
للحداثة والديمقراطية في المنطقة، وباعتبارها دولة مسالمة، في حين أنها مجرد دولة
عنصرية ودينية واستعمارية وتستخدم القوة العاتية لفرض سياساتها. كما أن هذا الأمر
يفتح على إمكان مدّ جسور مشتركة مع قطاعات من اليهود الإسرائيليين المعادين
للصهيونية ولسياسات إسرائيل العنصرية والاستعمارية.
ومعنى
ذلك أن هذا الأمر يستوجب على القيادة الفلسطينية الحذر في خطاباتها، لأن هذه
القيادة معنية بالدفاع عن حق شعبها، وعن كرامته، وعن روايته التاريخية، ولأنها من
دون ذلك تكون تشوّش على عدالة قضيتها، وعلى روح التضحية والكفاح عند شعبها. كما
ينبغي لهذا القيادة أن تنتبه إلى قضية مهمة وهي أن التخلّي عن الرواية الفلسطينية،
ولو لأي سبب، يضعف من وحدة الشعب الفلسطيني.
الجزيرة
نت، الدوحة، 6/5/2012
صالح النعامي
من
المقرر أن يمرر الكنيست الإسرائيلي قريباً مشروع قانون بحل نفسه وتبكير موعد
للانتخابات التشريعية القادمة، حيث من المرجح أن تنظم في أيلول القادم. ومن الواضح
أن حقيقة -أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم حزب الليكود الحاكم بنيامين نتنياهو
هو الذي بادر لتقديم هذا المشروع- تدلل على أن نتنياهو ينطلق من افتراض أن هذه
الخطوة تخدم مصلحته ومصالح حزبه. ويمكن رصد عدد من الأسباب والمحفزات التي شجعت
نتنياهو على حل الكنيست والدعوة لإنتخابات جديدة.
نتائج
محسومة سلفاً
إن
نتنياهو مطمئن إلى أن أي انتخابات قادمة ستؤدي إلى تعزيز قوة حزبه، وترفع أسهمه
الشخصية. فحسب جميع استطلاعات الرأي العام التي أجريت مؤخراً، فإن الليكود سيكون
الحزب الذي يحظى بأكبر عدد من المقاعد، ليس هذا فحسب، بل أن نتنياهو سيكون السياسي
الوحيد القادر على تشكيل ائتلاف حاكم. فأغلبية الجمهور الصهيوني ترى في نتنياهو
السياسي المؤهل لقيادة هذا الكيان، حيث أنه حسب استطلاعات الرأي العام فإن حوالي
48% من الصهاينة يرون في نتنياهو الشخصية الأمثل القادرة على إدارة شؤون إسرائيل،
في حين يتقاسم قادة الأحزاب الأخرى بقية النسبة. وقد دللت نتائج استطلاع الرأي
العام على تشظي قوة الأحزاب الأخرى بشكل لافت، حيث أنه في الوقت الذي تمنح
الاستطلاعات الليكود حوالي 30 مقعدا، فإن الحزب الذي يحصل على أكبر من المقاعد
بعده يحصل على17 مقعداً فقط.
نحو ائتلاف مريح
منذ
العام 1948 وحتى الآن لم يحدث أن حظي رئيس وزراء بإدارة شؤون حكومته في ظل قدر
قليل من المشاكل، كما يحظى نتنياهو حالياً، حيث أن الأحزاب التي تشكل هذه الحكومة
معنية بشكل أساسي بتواصل عمل الحكومة فقط، لأن الكثير منها تعي أن لديها ما تخسره
في حال أجريت هذه الانتخابات، باستثناء الليكود. لكن نتنياهو يطمح من خلال إجراء
انتخابات جديدة إلى تشكيل حكومة جديدة تكون أكثر راحة بالنسبة له. صحيح أن الحكومة
الحالية كانت مريحة بشكل عام لنتنياهو، لكن وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، الذي
يرأس حزب "إسرائيل بيتنا" يحرص بين الفينة والأخرى على اتخاذ خط سياسي
وإعلامي يتناقض بشكل ظاهري مع نتنياهو، وهو ما قلص من قدرة نتنياهو على التحرك في
الساحة الدولية. وفي الوقت نفسه، إن نتنياهو يبدو غير مرتاح إلى بعض مظاهر
الاختلاف بين مركبات ائتلافه الحاكم. فعلى سبيل المثال، يصر حزب "إسرائيل
بيتنا" بزعامة ليبرمان على سرعة الاستجابة لقرار المحكمة العليا الذي ألزم
الحكومة بتطبيق قانون "طال" الذي يفرض على الدولة تجنيد طلاب المدارس
الدينية اليهودية الذين يتم إعفاؤهم من الخدمة بناء على اتفاق قديم بين المرجعيات
الدينية اليهودية ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دفيد بن غوريون. وفي المقابل،
فإن حركة "شاس" المتدينة تطالب بعدم تطبيق قرار المحكمة. ونظراً لأن
المحكمة قد حددت شهر آب القادم كموعد لتطبيق القانون، فإن الإعلان عن حل البرلمان
وتبكير الانتخابات يجعل الحكومة في حل من تطبيق القانون، وبالتالي فإن هذه الخطوة
تسهم في تخليص نتنياهو من اختبار الحسم في مواجهة "شاس" أو
"إسرائيل بيتنا".
لبيد
وموفاز لكبح جماح ليبرمان
من المتوقع ألا يتردد نتنياهو في تشكيل ائتلاف
حاكم بالتحالف بشكل أساسي مع حزبي "كاديما" برئاسة شاؤول موفاز، وحزب
"ييش عتيد" بزعامة يائير لبيد، على اعتبار أنهما سيكونان حزبان مريحان
بالنسبة له، فهما لن يحرصا على المزايدة على مواقف نتنياهو عبر تبني مواقف أكثر
يمينية منه، كما يفعل ليبرمان. هذا لا يعني أن نتنياهو سيستغني عن ليبرمان، بل أن
ليبرمان سيكون مدعو للانضمام للحكومة في ظروف قاسية بالنسبة له، إذ إنه يعي أن
نتنياهو سيكون قادراً على تشكيل حكومة بدونه، وهذا يقلص من الثمن الذي يدفعه
نتنياهو له من جانب، ومن جانب آخر يسهم ذلك في دفع ليبرمان لعدم تحدي نتنياهو.
وهناك "بشائر" طيبة لنتنياهو من جانب التيار الديني. فعلى سبيل المثال
هناك احتمال كبير أن يقدم رئيس حركة شاس السابق أرييه درعي على خوض الانتخابات
القادمة تحت لواء حركة جديدة تنافس حركة شاس. وفي حال تحقق هذا الأمر، فإن هذا
سيصب في صالح نتنياهو، إذ أن هذا التطور يسمح له بالمناورة في مواجهة حركة شاس، إذ
أن درعي يبدي اعتدالاً كبيراً في موقفه بشأن العلاقة بين الدين والدولة، وذلك
بخلاف حركة شاس، التي تتخذ مواقف متشددة، سيما بشأن عمليات التهود ومنح الجنسية
وفرض حرمة السبت، علاوة على وقوفها إلى جانب جهات تحرض على العلمانيين بشكل فج،
كما حدث في مستوطنة "بيت شيمش"، مؤخراً.
تحديات
داخلية
لكن ما
تقدم لا يعني بحال من الأحوال أن نتنياهو لن يواجه مشاكل أخرى في أعقاب إجراء
الانتخابات القادمة. ومن المفارقة أن المشاكل ستنبع من داخل حزب الليكود الذي يرأسه.
فحسب كل التوقعات إن الإنتخابات الداخلية التي ستجري في الليكود لاختيار قائمة
مرشحي الحزب للكنيست ستسفر عن قائمة متطرفة جداً، ومن غير المستبعد أن يكون لممثلي
المستوطنين حضور قوي في القائمة، سيما موشيه فايغلين، زعيم مجموعة "القيادة
اليهودية"، الذي يجاهر بدعوته لفرض السيادة اليهودية على المسجد الأقصى، بل
يتحمس لتطبيق أساليب هتلر ضد اليهود لدى تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين.
السبيل،
عمّان، 7/5/2012
ماهر ابو طير
في
المعلومات، ان عقل الدولة قرر تحجيم حركة الاخوان المسلمين في الاردن، لاعتبارات
كثيرة، وان هذا القرار تم التوافق عليه بين مختلف اجنحة الدولة.
لماذا
تراجعت الدولة عن فكرة احتواء الاسلاميين واستقطابهم، نحو التحجيم واعادة التموضع
خلال الفترة المقبلة، وما علاقة تغييرات مختلفة حصلت على مواقع في الدولة وستحصل في
مواقع اخرى بهذا التوجه الجديد؟!.
من
اسباب ذلك، ان احتواء الاسلاميين بنعومة تم لاعتبارات ابرزها المخاوف من الربيع
العربي، وعقل الدولة يرى اليوم ان الخطر الامني من الربيع العربي في الاردن قد
زال، فيما الملف الاقتصادي قد يشهد انفراجات خلال الفترة المقبلة اذا دفعت دول
عربية.
مع هذا
عنصر يتعلق بخلاصات وصلت اليها الدولة حول رغبة الاسلاميين بالوصول الى الحكم في
الاردن، وتولي كل السلطة، وهي خلاصة سرية تم التوصل اليها على ضوء حراك الاسلاميين
في الشارع ومحاولة الامتداد الى المحافظات، بما تعتبره الدولة شهوة محرمة، ويعتبره
الاسلاميون ثمرة من ثمار الربيع العربي الحلال.
استيعاب
الاسلاميين تمت عنونته خلال الفترة المقبلة، كشعار تحت وطأة المخاوف من انفلات
الامور في الاردن، ووفقا لتقييمات معينة، فان الحراكات بالنسبة للدولة لم تعد
مخيفة، حالياً، في ظل انفضاض اغلبية شعبية عن فكرة الربيع العربي والحراكات.
الحركة
الاسلامية بدورها لم تذهب الى التصعيد خلال الفترة الماضية، الا في محطات محدودة
قابلها ايضاً تصعيد رسمي، فيما سيطرة المتشددين على الحركة من المراقب العام الى
نائبه الشيخ زكي بني ارشيد كانت رداً اسلامياً على تحرشات المؤسسة العامة بالحركة.
اذا
قرأنا اسماء مسؤولين تم منحهم مواقع خلال الفترة الماضية، واسماء لمسؤولين يتم
طرحها، نكتشف ببساطة ان مدرسة التوسط في التعامل مع الحركة الاسلامية انهارت تماما
لصالح مدرسة متشددة في الدولة ايضا لها موقف سلبي جداً من الاسلاميين.
بهذا
المعنى، امامنا فريقان متشددان، رسمي واسلامي، بعد انهيار الهدنة المؤقتة في عهد
الحكومة السابقة، وهي الهدنة التي لم ترِدها بعض الاطراف لتبقى على المدى الطويل
لكنها تأسست على الارض جزئياً، لحسابات امنية وسياسية واجتماعية.
هل
ستتمكن الدولة من تحجيم الاسلاميين؟ سؤال مفرود. الاغلب انها لن تنجح كليا، لانها
تحاول منذ عام 2005 ولم تحقق الا نجاحات بسيطة، فيما يبقى السؤال معلقا حول الذي
سيفعله الاسلاميون لمواجهة هذا القرار الجديد؟!.
علاقة
الدولة بالاسلاميين على مفترق طرق.
الدستور،
عمّان، 7/5/2012
نقولا ناصر
لا يبدو أن الشعب الفلسطيني يرى في هذه
الأيام "الضوء في نهاية النفق المظلم" الذي كان الراحل ياسر عرفات يكرر
القول إنه يراه في المفاصل التاريخية الحرجة لنضال شعبه، فالآفاق تبدو مسدودة،
وتظل الحركة الوطنية رهينة "المراوحة في المكان" باعتبارها الخيار
الوحيد المتاح تحت عنوان "الصمود"، في حصار ذاتي سلبي لأي خيارات أخرى،
وهو حصار طوعي لمن لا يرى مخرجًا من هذا الطريق المسدود سوى استئناف مفاوضات
يرفضها الجانب الآخر.
في تونس الأسبوع الماضي، خاطب الرئيس محمود
عباس رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو قائلا: "أنا مضطر للتعامل معك
... لقد اخترتك شريكا في السلام"، بينما كان يوفال ديسكين مدير المخابرات
الداخلية "الشين بيت" الذي تقاعد العام الماضي، ومئير داغان مدير
المخابرات الخارجية "الموساد" السابق، ورئيس الوزراء السابق ايهود
أولمرت، ورئيس أركان جيش الاحتلال السابق غابي أشكينازي، ونظيره الحالي بني غانتز،
وقائد سلاح الجو السابق اليعزر شكيدي، ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني التي
استقالت من عضوية الكنيست الثلاثاء الماضي، يؤكدون جميعهم وغيرهم أن نتنياهو ليس
شريكا في السلام، كما قال ديسكين ب"يقين كامل".
وبينما كانت وسائل الإعلام العبرية تؤكد بأن
نتنياهو سوف يظل "ابن أبيه" البولندي بن زيون الذي توفي الأسبوع الماضي،
والذي كان يعتبر انسحاب الاحتلال من داخل غزة إلى محيطها عام 2005 "جريمة ضد
الإنسانية" وظل حتى مماته يؤمن بعدم وجود "أي شعب فلسطيني، لذلك فأنت لا
تقيم دولة لشعب وهمي"، والذي كان مساعدا شخصيا لزئيف جابوتينسكي، الذي علمه
بأن "يقيم المستوطنون الصهاينة جدارا حديديا حول أنفسهم ويستمرون في البطش
بالسكان الأصليين إلى أن يسلموا" لأنه "لا يوجد شعب تنازل طواعية عن
أرضه لشعب آخر".
ولم يكن عباس يخاطب شعبه بالتأكيد، عندما
اعتبر، "مضطرا"، نتنياهو "شريكا في السلام"، ثم تعزيته له، هو
ورئيس الوزراء برام الله د. سلام فياض، بوفاة والده، في خضم "معركة الأمعاء
الخاوية" التي يخوضها أسرى فلسطين في سجون الاحتلال، وربما لهذا السبب لم
تنقل وسائل الإعلام الرسمية الخبرين، وبثهما الإعلام الفلسطيني الخاص نقلا عن
الإعلام العبري.
لكن الخبرين لم يبددا عتمة "النفق
المظلم"، ومثلهما كان تكرار إعلان النية بالتوجه إلى الأمم المتحدة، وهو
الإعلان الذي سارع سفير دولة الاحتلال لدى الهيئة الأممية، رون برسور، إلى استباقه
بالقول إن "مجلس الأمن الدولي لن يجعل فلسطين العضو الرابع والتسعين بعد
المائة في الأمم المتحدة"، معتمدا بالتأكيد على وعود من واشنطن باستخدام حق
النقض "الفيتو" الأميركي ضد أي توجه كهذا.
ولأن الآفاق الفلسطينية لا يمكن أن تظل
مسدودة دون أي "ضوء في نهاية النفق المظلم" إلى ما لا نهاية، ولأن الوضع
الراهن غير قابل للاستمرار باعتراف كل الأطراف المعنية باستثناء أصحاب استراتيجية
"المراوحة في المكان" الفلسطيني في خضم وضع متحرك ومتغير، فإن انفجار
الوضع الفلسطيني هو مسألة وقت فقط، وتدرك رئاسة منظمة التحرير هذه الحقيقة وتحاول
علنا تأجيلها إلى أطول وقت ممكن، وهي حقيقة يدركها قادة دولة الاحتلال كذلك، وصدر
آخر تحذير منها عن يوفال ديسكين الذي قال إن "الاحساس بفقد الأمل يتطور في
أوساط الفلسطينيين"، "وتركيز أبخرة الغاز يحلق عاليا في الهواء، والسؤال
هو فقط متى سوف تأتي الشرارة لإشعاله"؟!.
غير أن المشهد في الجانب الآخر من الصراع
جدير بإضاءة "النفق المظلم". فمن يحاولون عبثا تيئيس الشعب الفلسطيني حد
اضطراره للقبول بموافقة دولة الاحتلال على دويلة له في ظلها حريصون على إيهامه بأن
هذا هو خياره الوحيد بحجة أنها دولة لا تقهر.
لكن دولة الاحتلال معدومة الخيارات، تحاصر
نفسها داخل "غيتو" اختياري حولها إلى معسكر محاصر يعيش فيه مستوطنوها
داخل سجن كبير يسمى دولة، يتكون من "غيتوات" أصغر تسمى مستوطنات، يطغى
عليه الهاجس الأمني في داخله ومحيطه، حتى تحول هذا الهاجس إلى "مرض عقلي
وطني"، حد "أن أصبحنا دولة تسجن نفسها خلف الأسوار"، كما كتب اليكس
فيشمان مؤخرا في "يديعوت أحرونوت"، مضيفا: "مثل هذا المجتمع، الذي
يفتقد الثقة بالنفس، لا يردع، ... فهذا ليس مجتمعا يبعث برسالة قوة".
إنهم مرعوبون من استمرار الوضع الراهن،
ومرعوبون من "حل الدولتين"، ومن حل الدولة الواحدة، وحل الدولة ثنائية
القومية، ومرعوبون من عجزهم عن فرض حل بشروطهم على الشعب الفلسطيني وأمته. إنهم
أسرى أوهامهم الصهيونية، بقدر ما هم سجناء داخل آلاتهم الحربية السيارة والطيارة
وتلك التي تمخر عباب المياه فوق السطح أو تحته، لا يستطيعون الخروج منها لحظة
واحدة.
ف"الجدار الحديدي" الذي نصح
جابوتينسكي الصهاينة بإقامته حول أنفسهم يتحقق اليوم حرفيا، فمستعمراتهم
الاستيطانية محاطة بالأسوار والأسلاك الشائكة والمكهربة وتقنيات المراقبة وأبراجها
والدوريات العسكرية ومليشيات الحراسة المحلية ومستوطنوها لا يستطيعون الابتعاد عن
سلاحهم الشخصي لحظة واحدة، ومستعمرة الخليل التي تجند خمسة آلاف جندي لحماية
خمسمائة مستوطن فيها مجرد نموذج، وكثافتهم السكانية بنوا لحمايتها جدار الضم
والتوسع والفصل العنصري الذي يبلغ طوله (465) ميلا خوفا عليها من شعب أعزل سلاحه
الوحيد إيمانه المطلق بأن مصير دولة الاحتلال لن يكون أفضل من مصير الممالك
الصليبية التي أقامها الفرنجة في بيت المقدس وأكنافه. هذا في الداخل.
أما في الخارج فإن الجدار المرتفع (16) قدما
على امتداد كيلومتر واحد الذي بدأت دولة الاحتلال في بنائه الأسبوع الماضي كمقطع
من سياج أمني يمتد على خمسين ميلا من الحدود مع لبنان إنما "يرمز" إلى
تطويق دولتهم "بالفولاذ والإسمنت، مما يزيد في عزلتها" كما كتبت
يونايتدبرس انترناشونال في تقرير لها في الأول من الشهر الجاري، ليتصل بسياج مماثل
على طول خط وقف إطلاق النار مع سورية في هضبة الجولان المحتلة، الذي يتصل بدوره مع
سياج آخر جنوبا على الحدود مع الأردن حتى البحر الميت، إضافة إلى (165) ميلا من
سياج رابع بدأت تبنيه على حدودها مع مصر، ليتصل بالجدران التي تحاصر قطاع غزة،
بانتظار أن تغلق المنطقة الوحيدة الباقية بين البحر الميت والبحر الأحمر في وادي
عربة بسياج مماثل، حسب تقرير الوكالة ذاتها.
وفي البحر وافقت ألمانيا على تزويدها مؤخرا
بسادس غواصة "دلفين" قادرة على حمل الأسلحة النووية. وفي الجو لم تكن
بطاريات "باتريوت" الأميركية كافية لتقرر واشنطن تمويل تطوير
"قبتها الحديدية" ب(680) مليون دولار تضاف إلى (205) ملايين دولار سابقة
بعد ثبوت فشل "القبة" في العدوان الأخير على غزة.
وكل هذه هي دلائل دولة خائفة مرعوبة لا تنام
الليل، واليد التي تمسك بآلتها الحربية الجبارة مرتجفة لا ثقة لها في نفسها أو
أمنها أو مستقبلها، ومثل هذه الدولة التي تفتقد السلام الذاتي لا يمكنها أن تصنع
السلام مع الغير، لذلك بلغ عدد مستوطنيها اليهود الذين غادروها لفترة تزيد على سنة
دون أن يعودوا إليها حوالي مليون نسمة، كما كتب الأسبوع الماضي ألون بن مئير أستاذ
العلاقات الدولية بجامعة نيويورك.
فمن هو الأسير ومن هو المحاصر حقا في فلسطين
التاريخية ؟! .
فلسطين أون لاين، 4/5/2012
0 comments: